بقلم: معن البياري* لم يجد مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر شيئاً يفعله بصدد احتلال مليشيات خليفة حفتر ثلاثة موانئ رئيسية في البلاد سوى أن يجتمع في القاهرة مع سفير ليبيا في أبوظبي ومع رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح الذي خلع أخيراً على حفتر رتبة المشير. وإذا ما قيّض لقوات حرس المنشآت النفطية في عملية الوهم المتبدّد التي بدأتها أمس أن تنجح في طرد تلك المليشيات من المواقع التي سيطرت عليها في الهلال النفطي فذلك لن يعني أن ما يجرى هناك منذ عيد الأضحى مجرد طوْر عابر في محطات منازعات الأطراف الليبية ومناوشاتها والتي لم يوقفها الوصول إلى اتفاق الصخيرات في ديسمبر الماضي وإنما هو نذير طوْر أشدّ احتداماً في استعصاء الأزمة الليبية ومتاهاتها وأحاجيها. لم يكن حفتر في عملية (البرق الخاطف) ليأمر عسكره بالسيطرة على منطقة نفطية حساسة في الجغرافيا الليبية من دون أن تأذن له بذلك دول كبرى وأخرى صغرى في الجوار والإقليم. وفي الأثناء في وسع عقيلة صالح أن يعتبر هؤلاء العسكر جيش ليبيا الوطني فيما هم من جنسيات متعدّدة ليبيون ذوو هوىً قذافي ومستقدمون سودانيون دارفوريون بعثهم رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وسلفيون لملمتهم أوهامٌ وأموال متضاربة وتشاديون أجاز لهم إدريس ديبي الانتفاع من القتال تحت راية الجنرال الخائب في رمال تشاد إبّان واحدة من مغامرات معمر القذافي غير المنسية. معلوم أن (المشير!) حفتر أتبع محطة تشاد البعيدة في أرشيفه أي بعد أسره هناك بإقامة طويلة في الولاياتالمتحدة يرميه ما قيل بشأنها بشبهة العمالة. والظاهر أن الرجل يهوى لعبة المحاور والزعاماتية المليشياوية المرتبطة بحسابات أطراف بعيدة وأخرى مجاورة. ومن عجائب الرجل أنه يشيع عن (قوات الكرامة) التي يقودها أنها تعمل على تحرير ليبيا من الإرهاب ومقترفيه فيما يفاجئ حكومة الوفاق الوطني التي لا يعترف بها والمنبثقة من معادلات اتفاق الصخيرات بواقعة (البرق الخاطف) في موانئ الهلال النفطي الثلاثة بعد تنظيف قوات الحكومة سرت من عناصر (داعش). وعجيبةٌ مزاودةُ حفتر عندما يقول إن لا غطاء قانونياً للضربات الأميركية على التنظيم الإرهابي المذكور في سرت. ليس مأذوناً لليبيين أن يرتاحوا. عليهم أن لا يتوهّموا أن تشكيل حكومة بالقدر الأقصى والممكن من التوافق وكذا ارتضاء طيف عريض منهم صيغة مجلس رئاسي يعنيان أن تقدّماً يتحقق في سبيل الوصول إلى بناء نظام سياسي لدولة منشودة تنهض على الديمقراطية وتداول السلطة ومقادير من الحداثة للتفرّغ لمهمّات التنمية الملحة في البلد الذي نُكب أربعة عقود بأسوأ حكم قام على البلاهة والارتجال والفساد والنهب وهو البلد الغني بإمكاناته وموارده. ولا حاجة للبرهنة على أن الشقاق الجهوي في ليبيا والنفوذ للقبائلية الضعيفة الانتماء إلى الدولة وكيانها هما من نواتج نجمت عن ذلك الحكم الذي احتاج اقتلاعه إلى حرب أهلية وتدخل خارجي. ليس مأذوناً لليبيين بعد أن يمتحنوا قدرتهم في تمرين أنفسهم على العبور إلى استحقاقات الأمن والأمان وإلى اختبار المسالك إلى الممكن من مؤسساتية . ثمّة الفزّاعة إياها من (إسلام سياسي) قد يطرأ ويتمدّد ويحكم ويهيمن. وثمّة الإرهاب الحقيقي وقرينه المتخيّل وكلاهما ينفعان. وثمّة هوىً غلاب في غير عاصمة عربية للاستحواذ على ما يتيسر من كيانات سياسية وتشكيلات قبلية وتزبيطات مليشياوية لتنشأ حروب المكايدة بالوكالة ولتتوظف الولاءات المشتراة في حسابات الحروب الطارئة واللازمة ضد الإرهاب وغير الإرهاب ولتكون خرائط هذا المشهد المراد تقوية نجوم فيه من طراز حفتر مثلا في رهانات الثورات المضادة النشطة. ومما في الرسائل التي أراد أن يبعثها داعمو (المشير) إلى غير طرف في وثبة الهلال النفطي أياً ما تكون مآلات معارك إنهائها أنه من غير المسموح تجاوز الرجل واعتباره مجرد تفصيل انطوى فثمّة في جرابه من السهام ما في وسعه أن يرميها في غير اتجاه وعلى الجميع أن يعرف ذلك. ... ربما سمع مارتن كوبلر من سفير ليبيا في أبو ظبي شيئاً من هذا.