يعكس الأجواء البهيجة لاستقبال فصل الربيع أمقار نتفسوت تقليد يرفض الاندثار بمنطقة القبائل لازالت منطقة القبائل الكبرى تتمسك بعاداتها وتقاليدها في المناسبات على غرار استقبال فصل الربيع الذي له وقع خاص لدى سكان تيزي وزو وهو ما جسدته المظاهر البهيجة التي تطبع القرى في هذه الآونة ففي صبيحة يوم الجمعة الفارط المشمسة تجمع حشد كبير من الأطفال والفتيات والنساء بالزي التقليدي في ساحة تاريحنت وهي أحد أكبر قرى بلدية بوجيمة بولاية تيزي وزو احتفالا بقدوم فصل الربيع. خ. نسيمة /ق. م بإمكاننا من البعيد سماع الأغنية التي كان يرددها الأطفال والتي تصبح مفهومة كلما اقتربنا منها (تفسوت تفسوت أن نجوجوغ ام تفسوت آنتنارني ام تاقوت) (الربيع الربيع نحن نزهر مثل الربيع ونكبر كالسحابة) أمقار نتفسوت حيث استقبال الربيع هو سبب تجمع هؤلاء الأشخاص الذين يحضرون أنفسهم متجهين نحو الحقول في الصباح المبكر في طريقهم نحو ... المغامرة. أجواء بهيجة طبعت القرية الساعة تشير إلى حوالي 9 و 30 د حيث أعطى المنظمون الذي هم من بين المنخرطين في الجمعية البيئية (قارورة) إشارة انطلاق القافلة وفي وسط الشوارع المزينة بالأخضر والأصفر التي تستمد لونها من الزهور وببياض أزهار البابونج وغيرها من النباتات التي تبعث الراحة في الأفئدة نزل الراجلون نحو الساحل وهو موقع طبيعي يقع في أسفل القرى والذي ما زال يحتفظ بروعته الطبيعية وجماله الآخاذ. وكان المسار مناسبة لاسترجاع القوى واستنشاق الهواء المنعش والاستمتاع بجمال مناظر بساتين الزيتون التي تصنع لوحة طبيعية خلابة فيما يواصل الأطفال من جهتهم الغناء وقطف الأزهار والجري وراء الفراشات التي تطير حولهم. أما الفتيات الشابات اللائي زين أنفسهن خصيصا للمناسبة فتتوقفن من حين لآخر لالتقاط الصور تخليدا للذكرى وللحظات الجميلة التي يتقاسمنها. تغاريد الطيور تأذن بحلول الربيع على صوت تغريد الطيور التي تختلط بهذه الطبيعة الغناء يرافق مراهقون بآلة القيتار وبالبندير الأطفال الذين يواصلون الغناء بأصواتهم العذبة والبريئة احتفالا بقدوم الربيع وعقب حوالي 40 دقيقة من السير على الأقدام بدأ الموقع يظهر من بعيد حيث تبرز مساحات خضراء شاسعة تختلط باللون الأبيض لأزهار البابونج والتي تنبعث رائحتها الزكية على مئات الأمتار. النساء المسنات لا يستطعن المشي لمسافة طويلة ولهذا نقلن بالحافلة. ولدى وصول باقي المحتفلين كانت النسوة قد جلسن وبدأن في تيبوغارين (أغاني تقليدية للنساء القبائليات). بدأ الاحتفال وسيتم استقبال تفسوت على هذا الموقع بكل ما يمثله من فرحة وبهجة وغناء ورقص وموسيقى ولعب الأطفال وقطف الأزهار للتفاؤل بموسم مليء بالخيرات ويعد أمقار نتفسوت تراثا لا مادي يتوجب المحافظة عليه وتكريسه من خلال نقله للأجيال الشابة. البراءة تغني لأروع الفصول كما يعتبر هذا الموعد الذي أعيد إحياؤه من طرف شباب جمعية (قارورة) مناسبة لتوطيد العلاقة بين الطبيعة وهؤلاء الأطفال الذين نادرا ما يذهبون لاستكشاف الثروات الطبيعية لبلادهم. ولهذا تم تقسيمهم على شكل أفواج ومرافقتهم للغابة لغرس الأشجار واكتشاف النباتات التي لم يتسن لهم التعرف عليها من قبل وفي طريق العودة كان كل الأطفال مزينين بتيجان من أغصان أشجار الزيتون والأزهار. غصن الزيتون يرمز للصحة والعمر الطويل بينما ترمز الأزهار لمستقبل مشرق و للنجاح. (احتفل بالربيع لجماله ولكل الأشياء الجميلة التي يأتي بها) حسب ريان الذي يبلغ من العمر خمس سنوات من جهتها قالت اليسيا التي تبلغ من العمر 10 سنوات والتي كانت الفرحة بادية على وجهها وهي تحمل باقة من الأزهار بيدها وترتدي فستانا قبائليا بألوان زاهية وتاج من الأزهار على رأسها (قطفت هذه الباقة لآخذها معي إلى المنزل وقمت بصنع هذا التاج من أغصان الزيتون حتى يكون النجاح حليفي في الحياة). وفي هذه الأثناء تجمعت الفتيات مع أقرانهن لتنظيم (أورار) أو (قعدة) بالبندير والغناء والزغاريد مما جعل الاحتفال أكثر دفئا وبهجة.
حرائر القبائل يستذكرن رمزية الاحتفال (نا ويزة) مسنة في السبعينات من العمر جلست منعزلة بحثا عن القليل من الظل و للاستلقاء لأن حلقها التهب بسبب الأغاني التقليدية التي كانت ترددها منذ الصبيحة في القديم لاستقبال الربيع كانت النساء تطلي المنازل المبنية بالأحجار والطين بطبقة جديدة من الطين وكانت تغطي الكانون بخليط التربة والرمل. كما كانت المنازل تنظف وتزين تحسبا لقدوم هذا الفصل الذي كان يولى له اهتمام كبير) حسبما ذكرت محدثتنا. في النهار كانت النسوة يخرجن للحقول لقطف الأزهار وتزيين المنازل احتفالا بقدوم الربيع والتفاؤل بالسلام والاستقرار والسعادةأضافت نا ويزة مشيرة إلى أن الطبق الرئيسي لهذا اليوم كان تاحريرت الذي يحضر بدقيق القمح وزيت الزيتون رمزا للصحة والحياة الطويلة. قدوم الربيع لم يكن فقط لتمني ازدهار العائلة وأفرادها بل كان أيضا لقطيع الحيوانات التي كانت تعد المورد الأساسي للقرويين حتى تبتعد الأمراض عن الحيوانات حيث كانت أغصان الأزهار تعلق في الإصطبل حسب ذات المتحدثة. وأضافت (أنا سعيدة جدا لرؤية الأطفال والشباب يحتفلون اليوم بأمقار تفسوت وهي العادة التي اختفت لسنوات طويلة. وبهذا يمكننا المحافظة على قيمنا وعاداتنا وثقافتنا من الاندثار لأن الأمازيغية ليست فقط لغة نتكلمها ولكنها أيضا ممارسات ترافقها. (نا علجية) مسنة أخرى أصرت على حضور هذا الاحتفال رغم إعاقتها وهي تتذكر طفولتها عندما كان يوقظها والديها في الصباح الباكر في أول يوم من تفسوت لقطف الأزهار كما تذكرت أيضا الأشخاص المسنين عندما كانوا يمسحون أوجه الأطفال بندى الصباح مرددين عبارات طلبا للسعادة والصحة والنجاح. إلى جانب تحضير أطباق متعددة كالمسمن والإسفنج ومختلف أنواع الخبز التقليدي والكسكسي وغيرها. وهي الأطباق التي تم تقديمها خلال الاحتفال بقدوم الربيع الذي انتهى على حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر. وفي إطار المحافظة على التراث المحلي اللامادي أشادت مديرة الثقافة نبيلة قومزيان بمبادرة الاحتفال بأمقار نتفسوت الذي نظمته جمعية (قارورة) لتاريحنت مؤكدة أنه سيتم قريبا تعميم الاحتفال بالربيع حيث تعمل مصالحها حاليا على التحضير للحدث.