بقلم: عميرة أيسر* كنت قد ذكرت في عدة مقالات سابقة بأنَ الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تكف عن توجيه الضربات العسكرية الصاروخية وحتى التوغل برياً في سوريا والشيء المؤكد عندي بأن استهداف قاعدة الشعيرات العسكرية وتدمير9 طائرات سورية ومقتل الكثير من العسكريين رحمهم الله تعالى ليست إلا استمرارا لسياسة الأمريكية الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط والتي نظَّر لها المحافظون الجدد وعلى رأسهم ريتشارد بيرل وجون ماكين وجورج سورس والذين يعتمدون على فلسفة دينية لاهوتية متعصبة ومتطرفة وعلى فكر سياسي إيديولوجي يعتمد على ميكانيزمات وأساليب إدارة التوحش الاستراتيجي المرحلي انطلاقاً من أفغانستان ثم العراق واليمن وسوريا وليبيا من خلال الاعتماد على أدوات إقليمية محلية تدور في الفلك الأمريكي الاستعمار الغربي والذي يعتبر الكيان الصهيوني أيقونة الدول الغربية فكراً ومنهجاً وتسليحاً وتمويلاً وجيواستراتيجياً فيما ترى في دول كإيران والعراقوسوريا خطراً عليها اجتثاثه من الجذور من خلال استعمال عدَّة وسائل وأساليب وخطط نفذ معظمهم وهناك الكثير منها في الطريق لأن هدفهم النهائي تدمير الدول العربية الشرق أوسطية المقاومة وإخضاعها للابتزاز والاستعباد ومنظومة الاستكبار الغربي الإمبريالي الماسوني وسوريا بما تمثله من عمق حضاري وبعد تاريخي عروبي مقاوم ورفضها التفاوض من الصهاينة أو إقامة قواعد عسكرية أمريكية فوق أراضيها أسوة بما فعلته عدة دول عربية وإقليمية في هذا الإطار وكانت تحت المرصد والمجهر الأمريكي الدقيق منذ نهاية حرب1973وحاولت الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية منذ ذلك التاريخ جاهدة إدخالها بيت الطاعة الغربي عن طريق الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى وسعى الفكر النمطي الذي يحكم كل الإدارات الأمريكية منذ عهد جورج واشنطن إلى رسم إستراتيجية متكاملة وفق مخطط زمني وإيديولوجي براغماتي مصلحي وذلك لخلق عدة هزات وأزمات كبرى في المنطقة يكون لها ارتدادات سياسية واقتصادية وأمنية عنيفة على دمشق بغية إضعافها تدريجياً اعتماداً على وثيقة سربها المحافظون الجدد وتم تنفيذها من قبل البنتاغون الأمريكي منذ سنة1996والتي كانت مستمدة من تقرير نشره معهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتقدمة وهو مركز بحثي صهيوني إذ طالب التقرير صناع القرار في تل أبيب والبيت الأبيض بضرورة العمل على تغيير البيئة الإستراتيجية لها وذلك بالتخلص من الرئيس العراقي صدام حسين وكل الأنظمة والحركات المعادية لها في المنطقة وأشرف على إعداده مجموعة من الخبراء والمختصين الأمنيين والعقول المخابراتية الصهيونية الأمريكية وبدأ تنفيذ هذا المخطط على مراحل بعد غزو العراق سنة2003 والشروط والإملاءات الأمريكية التي حاولت فرضها على دمشق ثمَّ كانت حادثة اغتيال الشهيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان في عهد الرئيس إميل لحود سنة 2005 القشة التي قسمت ظهر البعير حيث أجبر الجيش السوري على الانسحاب من لبنان وتمَّ توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى النظام السوري والدولة الوطنية السورية بالتورط في محاولة الاغتيال الغادرة وحاول دتلف ميليس كبير المحققين الدوليين وقتها انتزاع مكاسب سياسية وتفاوضية من سوريا ولكنه فشل فشلا ذريعاً جعل الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما سنة2011 تستغل أحداث الربيع العبري وتنقله إلى سوريا بغية تدميرها منهجياً وتدريجياً وذلك عبر عدَّة قنوات سياسية ودبلوماسية واستعمال القوة الصلبة والجماعات الإرهابية التكفيرية المتطرفة ودعمهاً مالياً وإعلامياً وعسكرياً. أسرار خطيرة ولأنَّ كل المحاولات الأمريكية كانت تصطدم بجدار الجيش العربي السوري وحلفاء سوريا الذين يقاتلون على عدة جبهات هناك والخذلان والهزيمة السَّاحقة التي مني بها حلفاؤها كتركيا والسعودية وقطر والأردن والإمارات والجماعات المرتبطة بها كان لزاماً على صناع القرار في البنتاغون وواشنطن أن ينتقلوا إلى المرحلة التالية وهي توجيه ضربات دقيقة وجراحية مركزة إلى نقاط القوة في الجيش السوري لإضعافه وتشتيت تركيزه والعمل على تململه وإشغاله استراتيجياً وتكتيكياً فكانت مجازر ريف إدلب واللاذقية والباب وغيرها وآخرها كان قصف قاعدة الشعيرات بحوالي59صاروخ توماهوك بذريعة استعمال الجيش السوري للسلاح الكيماوي في خان شيخون وهي تهمة قديمة متجددة اتهمت بها نظام الرئيسين الراحلين صدام حسين والقذافي في ليبيا وبعده نظام الرئيس السوداني عمر البشير فهي تهمة أمريكية جاهزة ضد سوريا ومنذ سنة2013 ومستمرة دوماً وفق سيناريوهات جاهزة ومعدة سلفاً ورغم كل الحقائق التي أوردتها وكالات الأنباء العالمية عن تمثيلية الخوذ البيضاء وتقرير منظمة الأطباء السويديين لحقوق الإنسان الذي نشره موقع فيتران تودي والعديد من كبريات الصحف الغربية والذي يتهم صراحة الخوذات البيضاء وهي منظمة غير حكومية تتلقى حوالي100مليون دولار من المخابرات الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية كما ذكر نفس الموقع إذ قامت الخوذ البيضاء بحقن الأطفال السوريين بجرعات سامة قاتلة مما يظهر عليهم أعراض الإصابة بالغازات الكيماوية السامة كغاز الرايسين والسارين وغاز الخردل...الخ ولكن الشيء الذي فضح المسرحية وكشف الكذب الأمريكي والخليجي هو عدم ارتداء المسعفين لأي نوع من الملابس المصممة للهجمات الكيميائية وبقائهم على قيد الحياة وهذا مخالف لكل القواعد والقوانين الطبية العالمية المتعارف عليها لأنَ هذا الإهمال يؤدي إلى موتهم الفوري ومقارنة بسيطة بين هجوم طوكيو سنة1998وهجوم خان شيخون2017 يبين بما لا يدع أي ارتياب أن المخابرات الأمريكية كانت وراءه وهي نفسها التي سلمت حسب موقع غلوبال ريسرتش الكندي سنة2012 وذلك في مقال لبروفيسور ميشيل شودوفسكي جبهة النصرة والقاعدة أسلحة كيماوية ودربتهم على كيفية استعمالها وإطلاقها وحماية مخازنها وذكر الموقع بأن هناك متعاقدين مع البنتاغون يتواجدون بشكل دائم مع هؤلاء الإرهابيين لإشراف على هذه الأسلحة وضمان أمنها وسلامتها كما دعمت واشنطن خططاً لتنفيذ هجوم كيميائي على نطاق واسع على المدنيين في سوريا لتأليب الرأي العام الدولي على الدولة في سوريا وإيجاد مبرر غربي أمريكي قوي لإعلان الحرب عليها دون أن تستطيع موسكو الاعتراض على ذلك. فالإعلام الغربي يورد تقارير دورية عن امتلاك الإرهابيين في سوريا للسلاح الكيميائي المحرم دولياً ولكن تتعامل مع الموضوع باستهتار وعدم اكتراث وتتهم بالمقابل نظام الرئيس بشار الأسد بامتلاكه رغم أن روسيا كانت الضامن لإخلاء سوريا منه بعد تفاهمات سنة2013 فالإستراتيجية الأمريكية في سوريا والتي لاتزال مستمرة لن تتوقف عند هذه الضربة بل ستزيد من حدة الهجمات وشدتها حتى ولو أدى ذلك إلى صدام مع موسكو وإيران لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية بحاجة إلى شنِّ حرب على سوريا لاستفادة من مليارات الخليج العربي وتخفيف الضغط الداخلي على ترامب الذي يحارب حتى داخل إدارته وكذلك لإنعاش تجارة السلاح الراكدة في المجمعات والمركبات الصناعية العسكرية الغربية والتغطية على الضعف الأمني الاستراتيجي الذي يعاني منه الجيش الإسرائيلي فالحرب الأمريكية العدوانية على دمشق ليست إلا تنفيذاً لسياسات قد وضعت منذ سنوات طويلة فالغرب ودوله يعتمدون على التخطيط الاستراتيجي المرحلي وفي كل مرحلة يختلقون الحجج والأعذار للانتقال إلى المرحلة التي تليها وتصريحات الرئيس دونا لد ترامب بأن أمريكا ربما ستعلن الحرب على سوريا إن اضطرت إلى ذلك ليس إلا إعلاناً مبطناً على النية المبيتة لسحق الجيش السوري الذي أصبحت يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية الجغرافية وهذا ما يزعج بشدة واشنطن التي تريد انتصار الإرهابيين الذين يعتبرون أدواتها المنفذة لاستراتيجياتها في المنطقة والتي تعتبر سوريا حالياً أهم أحجار الزاوية فيها فعلى الجيش السوري أن يؤخذ كافة احتياطاته ولا يغتر بالوعود الغربية والتطمينات الروسية أو الأمريكية لأنهم يريدون تكرار سيناريو العراق ولكن هذه المرة بتقسيم سوريا وتدميرها وإلى الأبد.