قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ بين حر الدنيا وحر الآخرة نعيش هذه الأيام في أشد فصول العام حرارة حرٌ شديدٌ يعاني منه الناس معاناة شديدة. وشدة هذا الحر الذي نعيشه يذكرنا بموقفين عظيمين الموقف الأول وهو حَرِّ موقف يوم القيامة والموقف الثاني وهو حر نار جهنم. حر يوم القيامة أما الأول وهو موقف يوم القيامة ذلك اليوم العظيم الذي مقداره خمسين ألف سنة والذي تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَد رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِر - وهو التابعي الذي روى الحديث عن المقداد بن الأسود: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ قَالَ: فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ - أي خاصرتيه - وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. والميل في الحديث لو كان بمسافة الأرض فإنه يقدر ب[1848 متراً] أما الميل الذي تكتحل فيه العين فهو الحديدة التي توضع في المكحلة وهي [أقل من إصبع] وعلى كلا الحالين فإن المسافة قريبة جداً فالشمس تبعد عنا ما يقرب من [000 600 149كم] وعلماء الفلك يقولون: لو أن الشمس اقتربت بمقدار يسير لاحترق كل ما على الأرض ولو ارتفعت قليلاً لتجمد كل ما على الأرض. وفي يوم القيامة عندما تقترب الشمس من رؤوس الخلائق لا يموتون بأمر الله تعالى وإنما يكون العرق منهم على قدر أعمالهم فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حَقْوَيْهِ - أي خاصرتيه - ومنهم من يُلجمه العرق إلجاماً كما جاء في الحديث حين أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه أي: يصل عرقهم إلى الفم وحدود الأذنين. وعن هذا أيضا أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ. وعن معنى يذهب عرقهم في الأرض قيل: أي يغور ويغوص في الأرض وتشربه الأرض إلى سبعين ذراعاً أي ما يزيد عن ثلاثين متراً. في ظل عرش الرحمن وفي أثناء هذا الموقف العصيب يكون بعض الناس في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِب وَجَمَال فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَة فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. ومن الذين يظلهم الله في ظله أيضا يوم لا ظل إلا ظله من أَنْظَرَ مدينه المعسر الذي لا يستطيع السداد أو أسقط الدين من ذمته أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي اليَسَر الأنصاري رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ وفي رواية أخرى بزيادة: يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ. حر نار جهنم وأما الموقف الثاني فإن شدة حر الصيف تذكرنا بشدة حر نار جهنم فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَس فِي الشِّتَاءِ وَنَفَس فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم - رواه البخاري ومسلم. ونحن حين نجد الحرالشديد في دنيانا علينا أن نتذكر أن نار جهنم _ حفظنا الله منها - هي أشد حراً فقد قال تعالى: _ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ _ [سورة التوبة:81]. بين الله تعالى لنا في هذه الآية كيف كان المنافقون في غزوة تبوك يثبطون بعضهم بعضاً عن الخروج للجهاد ويقول بعضهم لبعض: (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) فقال الله لنبيه محمد صلى الله علية وسلم: قل لهم يا محمد أن نار جهنم أشد حرًّا من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا للجهاد فيه. نار الدنيا ونار جهنم إن نار الدنيا هي جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا. وإن نار جهنم ليست كنار الدنيا حمراء بل هي سوداء قاتمة مظلمة فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تَحْسَبُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ مِثْلُ نَارِكُمْ هَذِهِ هِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ - رواه البيهقي وصححه الألباني. ونحن في الدنيا حين يشتد الحر نبحث عن الهواء البارد والماء البارد وظل نستظل فيه من حرارة الشمس فما هو هواء وماء وظل أهل النار؟ الجواب في قوله تعالى: _ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُوم وَحَمِيم وَظِلّ مِّن يَحْمُوم لَّا بَارِد وَلَا كَرِيم _ - سورة الواقعة:41 - 44. أما السموم فهو هواء ساخن حارق يلفح الوجوه ويشوي الأجسام والحميم هو ماء شديد الغليان لا يروي ولا يبرد ماء يقطع الأمعاء قال الله تعالى: _ وس ق وا مّاءْ حّمٌيمْا فّقّطَّعّ أّمًعّاءّه مً _ سورة محمد- 15 واليحموم هو الدخان الأسود الحار اللافح الخانق. دعاء الرسول - صلى الله عليه وصلم - عند شدة الحرارة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يومٌ حار ألقى الله تعالى سمعه وبصره إلى أهل السماء وأهل الأرض فإذا قال العبد: لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم اللهم أجرني من حر جهنم قال الله عز وجل لجهنم: إن عبدًا من عبادي استجارني منك وإني أشهدك أني قد أجرته.