الشيخ: قسول جلول نعمة عظيمة ومنة كبيرة قلّ فينا اليوم من يتذكرها ونادرا منا من يحمد الله سبحانه وتعالى عليها مع أنها نعمة جليلة لا يمكن أبداً أن تقدر بثمن وربما فاقت نعم كثيرة وفضلت عليها أتدرون ما هي ؟ إنها نعمة الحرية!! إنها نعمة الاستقلال !! نعمة لا يشعر المرء بقيمتها إلا إذا فقدها أو عاش مرحلة الاستعمار ورأى بأم عينيه ظلم الاحتلال. فاحمدو الله جل وعلا على الحرية التي تتمتعون بها فأنتم أحرار في نفسكم تذهبون حيث تشاؤون وتأكلون ما تشاؤون ومتى تشاؤون وتتحكمون في أنفسكم بأنفسكم ولا يتحكم فيكم غيركم وتعيشون بين ذويكم وأهليكم وتحافظون على نفوسكم وصحتكم بإرادتكم. فاشكروا الله كثيراً واحمدوه كثيراً وتذكروا دائماً قول الله سبحانه وتعالى ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)) سورة النحل الآية. انظر إلى من ابتلاهم الله سبحانه وتعالى ففقدوا هذه النعمة العظيمة فهم يعيشون في أوطانهم غرباء مسلوبين الحرية والإرادة فاحمد وا الله ياعباد الله على نعمة الحرية فإنها والله أجل نعمة وخير منة واعلموا أن الله سبحانه وتعالى سائلكم عن هذه النعمة العظيمة ماذا عملتم فيها. فهل أنتم مقدرون لهذه النعمة وتعرفون فضلها وقيمتها حتى لا تفقدونها وعليكم أن تستشعروا هذه النعمة وتحمدوا الله على الحرية وتستغلوا أعماركم وحياتكم وأيامكم ولياليكم في طاعة الله والتوجه إليه فإن من المجاهدين من قضوا أعمارهم في السجون وذهبت سنوات طويلة من حياتهم في غياهب المعتقلات بذلوا النفس والنفيس فنالوا الشهادة ولا تحسبن الذين قتلوا ورضوا بما قدره الله عليهم وأفرغ الله على قلبهم الصبر وصب على صدرهم المصابرة {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} البقرة: وحق فيهم قول الله عز وجل (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)آل عمران 140. النصر الكبير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله فيقول: اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارْضَ عَنَّا وأَرْضِنَا الحديث رواه أحمد لقد أعزهم الله ونصرهم ومكنهم في الأرض وجعل كلمتهم هي المسموعة وقوتهم هي المرعوبة وبذلك انتشر الخير والسلام وعم العدل الأنام تعلمون أنه قد حَدَثَ في القرن (12 ه)الموافق (18 م) أَنْ هَجَمَ الاستعمار الأوروبي الصليبي على كثير من بلاد المسلمين وأخذ كثيرا من خيراتهم لمّا ضعف المسلمون حيث انتشرت فيهم الآفات المضعفة للقلوب والمفرقة للصفوف والتهاون بالصلاة وفُشُوِّ الفواحش والمنكرات والغش في المعاملات والظلم والاستبداد وانتشار الأمية والجهل والإعراض عن العلم النافع في الدين والدنيا وغير ذلك من الآفات التي أدخلت الوهن في القلوب والضعف في الأبدان مما جعل كثيرا من المسلمين لقمة سائغة للأعداء. لكن من رحمة الله وفضله أَنْ سَخَّرَ الله لهذه الأمة مَنْ يوقظها مِنْ سُباتها ويُنَبِهُهَا مِنْ غفلتها فبعث الله المجددين للإسلام الذين يُحْيُون في الأمة ما اندرس من الدين ويعيدونها إلى العزة التي يحبها الله للمؤمنين كما قال رسول الله صلى الله: إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سَنَة مَنْ يجدد لها دينها رواه أبو داود (4291) وهو حديث صحيح. فقام أولائك المُجَدِّدُون بتلك المهمة أحسن قيام في بلاد الإسلام. وكان من أولائك المجدِّدين في قطرنا الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس وأصحابه من علماء الجزائر رحمهم الله تعالى حيث جاهدوا بالقرآن ونشروا العلم النافع وأعادوا للإسلام نضرته وللقرآن في النفوس عظمته وكانوا هم الأساس لجهاد الجزائريين الذين قاموا ضد الاحتلال الفرنسي في آخر جولة كانت حلقة في سلسلة طويلة من الجهاد ضد المستعمر منذ دخل الجزائر في سنة 1251ه) الموافق (1830م). لقد قام المجاهدون بإعادة الوعي إلى الشعب الجزائري حيث حاربت كل مظاهر الخضوع للاستعمار كما قاومت فكرة الاندماج والذوبان في المستعمر الفرنسي وبعد سنوات عديدة مليئة بالدموع والدماء مشدودة بالتضحية والفداء كَلَّلَ الله جهاد الشعب الجزائري بالاستقلال وعادت إليه السيادة وتَنَفَّسَ هواء الحُرِّيَّة ورجعت الجزائر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ورُدَّت بضاعة الأمّة إليها تلك البضاعة التي استولى عليها الاستعمار بالحديد والنار مائة وثلاثين عاما فأعاد الله للأمة خيراتها بإيمانها وكفاحها وصبرها ذلك الإيمان الذي أتى بالعجائب وخوارق العادات في الجهاد الذي حرر البلاد والعباد من الاستعمار الغاشم. إنّ الاستقلال نعمة وإن الحرية منحة فلنشكر الله تعالى على هذه النعمة ولنحمده كثيرا على ما أعطانا من منحة فإن الله تعالى وَعَدَ مَنْ شَكَرَهُ بالمزيد فقال سبحانه وتعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) [إبراهيم 7] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أَمْرَهُ كلَّه له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إنّ أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم. ولكن الشكر لا يكون باللسان فقط بل يكون بالقلب واللسان والجوارح. فيكون بالقلب بالإيمان واليقين أن النعمة من الله تعالى وحده وأما الأسباب فهي وسيلة إلى النعمة. ويكون الشكر باللسان بحمد الله تعالى وشكره وذكر النعمة والتذكير بها خاصة من لم يعرف مرارة الاستعمار وثمن الاستقلال. ويكون الشكر بالجوارح بالمحافظة على نعمة الاستقلال بالأعمال الصالحة وَفَاءً لما عاهد اللهَ عليه آباءنا وأجدادنا بتحرير البلاد من الظلم والظالمين وإعادة الجزائر إلى أصلها الذي به تَحْيَا عزيزة . وفيما يلي نصائح وتوجيهات للمحافظة على نعمة الاستقلال لتكثر الخيرات والبركات: - تقوى الله تعالى فهي العُدَّةُ في الشدائد والفَرَجُ عند الكُرُبَات وذلك بالتمسك بالإسلام تمسكا حقيقيا وليس بالانتساب إليه فقط والاعتزار بالدين وبرجاله والاقتداء بهم. الحذر من الغرور لأنه يورث الكِبْر والعُجْب ويؤدي إلى الهلاك والأمراض النفسية الخطيرة فتتعطل الطاقات وتغفل الأمة عن العمل والجِدِّ وتسقط في الخيال وقلة الاحتياط من الأعداء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تَغْتَرُّوا) رواه البخاري. ودواء الغرور يكون بالثقة بالله تعالى وشكره كثيرا والتواضع لله مع العمل الصالح والاحتياط والحذر قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى: يا إخواني: إنكم خارجون من ثورة التهمت الأخضر واليابس وإنكم اشتريتم حريتكم بالثمن الغالي وقَدَّمْتُم في سبيلها من الضحايا ما لم يقدمه شعب من شعوب الأرض قديما ولا حديثا وحزتم من إعجاب العالم بكم ما لم يحزه شعب ثائر فاحذروا أن يركبكم الغرور ويَسْتَزِلَّكُمُ الشيطان فَتُشَوِّهُوا بسوء تدبيركم محاسن هذه الثورة أو تقضوا على هذه السمعة العطرة اه (آثار الإمام الإبراهيمي). بناء الأمة بالتربية الصالحة والأخلاق الحسنة والآداب العالية والعلم النافع وإنقاذ الأمة من الأمية التي هي سبب كبير فيما تعانيه من بلاء وشقاء. تقوية الإرادة والعزيمة والصبر والحث على العمل والجِدِّ والبُعد عن الكسل والفوضى واللامبالاة و عن سفاسف الأمور غرس المحبة والأُخُوَّة فيما بيننا والحذر من التفرق والاختلاف والعنصرية والجِهَوِية ومن التنازع وسوء ذات البين لأن ذلك يؤدي إلى الفشل والضعف وإلى تَدَخُّل الأعداء قال الله تعالى (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال 46]. غرس حب الوطن والدفاع عنه بالغالي والثمين وبكل الوسائل المشروعة فالمحافظة على الجزائر من الدين.