لا يكتفي البعض بألاّ يسأل عن جاره أو لا يعوده إن كان مريضا، ولا يقف بجنبه إن كان مهموما أو محتاجا، أو ينقذه حتى وإن رآه يموت أمامه، لا يكتفي البعض بألاّ يفعلوا كل هذه الواجبات بل إنهم يزيدون على ذلك بأن يؤذوا جيرانهم فيستحلون شرفهم ويستبيحون أموالهم ويسرقونهم وينتهكون عرضهم دون أن يمنعهم وازع ديني أو أخلاقي. حكى لنا فارس عن تعرضه للسرقة من طرف جار له، والذي وبالإضافة إلى أنه جاره، أي له حق عليه وواجب نحوه، وتربطهما علاقة وصى بها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: »مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه«، بالإضافة إلى ذلك كله فإن ذلك الجار كان صديقا مقربا من فارس، بل إنهما تربيا منذ كانا صغيرين في حي وعمارة واحدة، ما يجعلهما كأخوين لا كغريبين، ومع ذلك، يحكي لنا فارس، فلم تشفع هذه العلاقة لجاره، ولم تجعله يفكر قبل أن يقدم على سرقته، حيث أنّ فارس وفي مرة من المرات سافر وأخذ عائلته وغادر البيت، قبل أن يوصي جاره وصديقه بأنّ يحرسه له، لكن »حاميها حراميها« كما يقول المثل، فعندما عاد فارس بعد العطلة وجد أنّ الكثير من الأغراض ناقصة من بيته، ومنها مجوهرات زوجته وحُليّها، فلم يشك في صديقه ولكنه سأله عن الأمر فأنكر، إلاّ أنّ كلّ الدلائل كان تشير إلى أنّ جاره له علاقة بالموضوع، فالباب لم يكسر، ولم ير أحدٌ من الجيران أحداً غريبا في العمارة، بل إنّ أحدهم أخبر فارس أنه كثيرا ما كان يلمح صديقه يقترب من البيت، وما إن يراه حتى يختفي، ويدعي أنه كان نازلا أو صاعدا في الدرج، وزاد على ذلك أن فكر فارس في أنّ صديقه يمتلك مفتاحا للبيت، وذلك بحكم معاشرته الطويلة له، واستئمانه في مرات عدة على المفتاح الذي كان يتركه له في غيابه، وربما يكون نسخ منه اثنين، وهو ما اكتشفه بعدها، حيث أنه ضغط على جاره وهدده بإبلاغ الشرطة، فأقر بالأمر وقال إنه سيرجع له المجوهرات وكل شيء أخذه على أن يتكتم على الأمر، فلم يشأ فارس أن يفضح من كان صديقا له في يوم من الأيام، وفضل أن يسترجع منه أغراضه ويتركه لشأنه ويأخذ درسا لم يكن ليأخذه لو لم تقع له هذه الحادثة. أمّا نبيل فهو الآخر تعرض إلى الخيانة والسرقة من طرف جاره الذي ائتمنه على شيء أكبر من المال، وهو الشرف، حيث أنه كان يخرج إلى العمل وكان أخوه يخرج إلى الدراسة، وكانا يتركان أختهما وحيدةً في البيت، وقال لنا نبيل إنّ جاره الذي تجاوز الثامنة والثلاثين من العمر كثيرا ما كان يلمح أخته بنظرات ليست بريئة، لكنه لم يحسب يوما أنّ بإمكانه أن يعتدي عليها أو يحاول ذلك، ولكنه فعل، ففي يوم من الأيام خرج الأخوان واحد إلى الدراسة والآخر إلى العمل كعادتهما، تفاجأ نبيل بأخته تتصل به، وتقول له إنّ جارهم حاول الاعتداء عليها، وإنه يقف عند الباب يحاول أن يقنعها بأن تفتح له الباب، وأسرع نبيل إلى البيت، فلم يجد جاره، لكن أخته أكدت له أنه وبعدما طرق على الباب وخرجت له، ادعى في البداية أنّه جاء للبحث عنه، ولما أخبرته أنه ليس موجودا راح يغازلها بكلمات وقحة، فتفطنت الفتاة إلى نواياه أو إلى بعض منها، وعندما حاولت إغلاق الباب راح يحاول الدخول بالقوّة، ولما لم يستطع، أراد إقناعها بالوقوف عند الباب ومحادثتها منه لكنها لم تجبه فذهب. هي حوادث تتكرر في الكثير من العمارات، حيث يترصد البعض تحركات جيرانهم ليعرفوا فيما إذا كانوا خارج البيت أو داخله، وذلك لينقضوا على البيوت إما بالسرقة أو بانتهاك الحرمات، أما البعض الآخر فيحرضون أشخاصا آخرين على سرقة جيرانهم حيث يتعاونون معهم على ذلك، يرصدون لهم تحركاتهم حتى يكون المجال مفتوحا لهم، ويدخلوا البيت يسرقونه بكل راحة، ولا يشك صاحب المنزل في الأمر.