ربما كان الصيام مُتعباً، وربما كان شاقا خاصّة في فصل الصيف، وربما تحدث لنا أمورٌ تثير أعصابنا، وربما نجد أنفسنا في مواقف تجعلنا نفقد صوابنا، لكن هل يبرِّر كل ذلك انتهاك البعض لحرمة الشهر الكريم؟ البعض لا يصبر على الطعام وآخرون على السجائر وربما المخدرات او القهوة او أي شيء، ما يزيد من مشقة الصيام على أنفسهم، فيجعلهم بذلك سريعي الغضب والالتهاب، وقد يعلم أصدقاؤهم وأسرُهم شيئا من ذلك فيتفادوهم خلال ساعات النهار، او على الأقل يحتملون تصرفاتهم وقلقهم غير الطبيعي، لكنّ بعض الأشخاص يجعلهم رمضان، او يجعلهم تهورهم لا يكتفون بالشجار والغضب السريع، بل إنهم ينتهكون حرمة رمضان علناً، ويأكلون أو يدخنون السجائر، بعد أن يثير شخصٌ ما غضبهم، كما أنهم ينتقمون لأنفسهم من رمضان، وما يفعلون في واقع الأمر إلاّ أن ينحرفوا عن الطريق، "وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون". كذلك الحادثة التي شاهدناها ونحن مارون في شارع طرابلس بحسين داي، وكانت الساعة تشير إلى السادسة مساء، ووقع شجار بين شخصين، وسرعان ما اشترك فيه آخرون، حتى تحولت إلى معركة جماعية، وقد بلغ الغضب بأحد المتشاجرين، وهو شاب في الثلاثين، بلغ به الأمر أن اخرج من جيبه سيجارة وحاول إشعالها، لكنه قبل أن يفعل اتجه إليه الجميع ومنعوه وطلبوا منه أن يستغفر ربه، لكنه أصر على ذلك، وابتعد عنهم قليلا وأشعلها، وكان يسب فيهم ويلعن الجميع كما لو أنهم السبب الأوّل والأخير في تصرفه الأحمق ذلك، وبعدما فعل انفض الجميع من حوله، ولم يحتملوا رؤية منظره وهو يدخن السيجارة في عز شهر الرحمة، وعندما رأى نظرات الاحتقار والازدراء التي كانت تتجه إليه، شعر بنوع من الندم، كأنه انتهك حرمة رمضان حتى يخيفهم او يثير فيهم الإعجاب، ولما رأى غير ذلك منهم أدرك حجم خطئه. وإذا كان البعض يفطر على سيجارة، ويتعللون بان الغضب دفعهم إلى ذلك، وأنهم إن لم يفعلوا لارتكبوا جريمة ما، فان آخرين يفطرون على الأكل، وهو ما قصته علينا "ف" عن ابنها الذي يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، والذي، وكلما تشاجر معها او لم يتفقا في الرأي، أو حدث اصطدام بينه وبين أخيه الذي يطالبه دائما بالبحث عن عمل عوض المكوث بالبيت، فيذهب الشاب إلى المطبخ ويتناول وينتهك حرمة رمضان كأنه ينتقم من أسرته بذلك التصرف، او كأنه سيؤذي به أحداً غيره، حتى انه تقول لنا أمه، يفطر أكثر مما يصوم، وهي التي خشيت إن هي تفادت التحدث إليه وتجنبته، خشيت أن يعتاد على ذلك، ويفكر في الإفطار في رمضان سيؤذيها هي، فيتخذ من ذلك طريقة في الضغط عليها. كما أنّ هناك أشخاصا آخرين لا يحتملون فراق القهوة او حتى المخدرات والتي قد يتعاطونها دون أن يأكلوا، أي أنهم يصومون عن كل شي إلاّ عن المخدرات، متعللين بأنّ فقدان مفعولها من رؤوسهم قد يجعلهم يرتكبون حماقات، فتجدهم ما أن يقع لهم أمر او حادث ولو كان صغيرا، يخرجون سجائرهم ومخدراتهم ويتناولوها على مرأى الناس، "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون".