يبدو إلزام رئيس البلدية بالإقامة في مقرّ البلدية التي يشرف على تسيير شؤونها من أهمّ ما يطرحه مشروع قانون البلدية الجديد من إجراءات ترمي إلى تحسين أداء السلطات المحلّية وإجبار المسؤولين المحلّيين على التقرّب أكثر من مواطنيهم والإصغاء إلى انشغالاتهم والعمل على حلّ مشاكلهم اليومية· ولا شكّ في أن إلزام "المير" بالإقامة في البلدية التي انتُخب لتسيير شؤونها لن يحلّ بالضرورة مشاكل المواطنين، لكنه على الأقلّ يضع حدّا لظاهرة تسيير البلديات بطريقة تغيير القنوات التلفزيونية بجهاز التحكّم عن بعد "التيليكوموند"، حيث لا يخفى على أحد أن بعض "الأميار" عندنا لا يزورون البلديات التي يسيّرونها إلاّ في مناسبات نادرة، ويجهل "أميار" آخرون أسماء بعض أحياء بلديتهم ولا يعرف كثير من المواطنين وجه "المير" الذي يُفترض أنهم انتخبوه لتسيير البلدية· وكلّها ظواهر ومظاهر تعكس الهوّة العميقة الموجودة بين عدد كبير جدّا من رؤساء البلديات ومواطنيهم، وهي هوّة شبيهة بتلك الموجودة بين زعماء بعض الأحزاب الذين يسيّرون أحزابهم ب "التيليكوموند" ومناضليهم· وإذا كان من المهمّ إلزام "المير" بالإقامة في مقرّ بلديته، وبالتالي دفع "الأميار" إلى تغيير مقرّات إقامتهم في حال كانت بعيدة عن البلديات التي يسيرونها، فإن الأهمّ من ذلك هو تغيير ذهنيات كثير من "الأميار" الذين يتحوّلون إلى "أغوال" بمجرّد انتخابهم على رأس المجلس الشعبي البلدي، حين يعتقدون أن البلديات قد تحوّلت إلى ملكية خاصّة لهم ويسيّرونها كما لو أنهم يسيّرون شركة ذات الشخص الوحيد ولا يصحون من غفوتهم التسييرية إلاّ حين يحاصرهم الشعب وهو يريد إسقاط "المير"· ويبدو مشروع القانون الجديد للبلديات قادرا على إحداث ثورة في التسيير المحلّي لشؤون المواطنين، لكن الثورة الأكثر أهمّية نتمنّاها في عقول "الأميار" والمواطنين على حدّ سواء، ليكفّ رؤساء البلديات عن التعامل مع المواطنين كقطيع ويتوقّف المواطنون عن الاكتفاء بالتذمّر والشكوى ويبحثون عن تقويم مسؤوليهم المحلّيين ومراقبتهم وانتزاع حقوقهم بالطرق المشروعة والحضارية·