بقلم: قسول جلول إن أعظم بلية بُلي بها كثيرٌ من المسلمين اليوم: الجهل بدين الله فهو سبب كل مشكلة وطريق كل معضلة صاحبه إذا عاش فهو غير معدود وإذا مات فهو غير مفقود وما عبد غير الله وما تعبد كثيرٌ من الناس بغير شرع الله إلانتيجة الجهل بجوهر الإسلام وأصوله السامية وبالجملة فكلُّ شر وبلاء وفساد وداء في عقيدة الأمة وعباداتها وتصوراتها وأفكارها وسلوكها وأخلاقها وانحرافاتها وغلوها وتطرفها فالجهل مصدره ومن أحب نجاته فطريق العلم سلما لوصول لذلك بإذن الله. وأول علم نريده العلم بكتاب الله حفظاً وتلاوةً وتفسيراً وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية ودرايةً وتطبيقاً. ومما لا شك فيه أن العلم شرفٌ ونورٌ وفضيلة وأن الجهل شرٌ وبلاءٌ ورذيلة وأن العلم النافع مصدر الفضائل وينبوعها وأن الجهل مكمن الرذائل وموردها وأنه بالعلم النافع يتحقق للأفراد والمجتمعات بناء الأمجاد وتشييد الحضارات كما أنه بالجهل تتزعزع الأركان ويتصدع عامر البنيان ويحل الدمار ببني الإنسان.لذلك كله! ولما للعلم من شرف المكانة وعظيم المنزلة فبالعلم رفع الله آدم وأسجد لملائكته والعلم ميراث الأنبياء والرسل وكفى بالعلم فضلا أن يدعيه من لا يحسنه وكفى بالجهل عارا أن يتبرأ منه صاحبه وكفى بالعلماء شرفا أن ربك قرن شهادتهم بشهادته تعالى وشهادة ملائكته في القرآن الكريم ((شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط)) جاء ديننا الإسلامي الحنيف بالحث على العلم والترغيب فيه والتشجيع على سلوك سبيله وأن سلوك سبيل العلم النافع طريقٌ إلى دخول الجنة بإذن الله.فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) كما كانت القراءة أول صيحة مجلجلة أطلقها الإسلام تنويهاً بقيمة العلم وسمواً بقدره وتكويناً لقاعدة البناء المعنوي في الأمة وتشييداً لصرح حضارته او سر ازدهارها ونمو كيانها ألا وهو العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعلم بكل ما تحتاجه الأمة الإسلامية في مسيرتها لتواكب بحضارتها عصرها الذي تعيشه مع تمسكها بأصول عقيدتها وتعاليم دينها.يقول سبحانه وتعالى في مقارنة عجيبة: ((أفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَاُ نْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى)) الرعد:19 وقوله جل وعلا:((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)) طه 114 وقوله سبحانه:((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) فاطر:28وقوله((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون)) الزمر:9 وقوله جل وعلا: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات ))المجادلة:11. كذلكم كان رسولكم صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول قدوةً حسنة في هذا المجال فجاء في سنته القوية والعملية ما يبين المقام الأسمى في هذا الأمر العظيم.أما سلفنا الصالح رحمهم الله فقد سطَّروا أنصع الصفحات وضربوا أروع الأمثلة في الحرص على العلم وقطعوا الفيافي والقفار للرحلة في طلبه حتى خلف ذلك الجهد حضارةً علمية متنوعة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً وحتى تبوأت المكتبة الإسلامية في شتَّى العلوم والفنون أوجَ مكانتها وما ذاك إلا لتوفيق الله سبحانه ثم للإخلاص في طلب العلم حيث لم تدنسه الأطماع الدنيوية والمطامح المادية ثم للمنهج السليم والجد والمثابرة فهو عندهمرسالة وليس وظيفة مما يتطلب من طلاب العلم اليوم من أساتذتنا وتلامذتنا وطلابنا التأسي والاقتداء بمن سبقوهم وجعل التعلم رسالة سامية لاوظيفة وأجرة فقط. الطبع الرسالي يغلب على الأئمة في أداء رسالتهم نظير ما يأخذه من أجرة زهيدة. هذا وإن المسلمين اليوم لفي أمس الحاجة إلى أن يتكون منهم أجيال ملمة بالعلوم المهمة التي يحتاجها المسلمون كعلم الطب والهندسة والاقتصاد وغيرها من العلوم التي تتطلبها مناحي الحياة ليتسنَّى لهم خدمة دينهم والاستغناء عن غيرهم ليؤمنوا مجتمعهم من مخاطر الجهل وهو ما يعرف بالأمن الفكري ومما يجدر التنويه بشأنه: ضرورة أن يتعلم طائفةٌ من المسلمين العلوم العسكرية والآلات الحربية ليتمكنوا من مواكبة العصر الذي يعيشون ه وليتسنى لهم الدفاع عن مقدساتهم وحرماتهم وعقيدتهم كما أنه ينبغي أن يكون من بين المسلمين من يُعنى بالعلوم المهنية والأعمال الفنية ليكمل المسلمون أنفسهم من كل علم فيه نفعهم وصلاح أحوالهم. وهو ما يعرف بالأمن العسكري إن المهم في كل علم إخلاص العمل فيه لله وتسخيره لخدمة الدين والعقيدة والدعوة إلى الإسلام من خلاله فلعل أبناء المسلمين الذين احتفلوا بداية الأسبوع بيوم العلم المصادف ل16 أفريل من كل سنة والمرتبطة بالعلامة بن باديس رضي الله عنه لعلهم أنيعوا هذه القضايا الهامة في هذه المهمة الجليلة. فيا أبناء الجزائر! ويا طلبة العلم! يا من شرفكم الله بالنهل من ميراث النبوة: اتقوا الله عز وجل في طلبكم واعتنوا بالعلم والتعلم واسلكوا منهجه الصحيح واطلبوه من أهله الموثوقين.وأنتم أيها المدرسون يا من حملتم أمانة التعليم والتربية لفلذات أكبادا لمسلمين! اتقوا الله فيهم واعلموا أنكم مسئولون عنهم أمام الله فكونوا خير قدوة لهم ومثلاً أعلى في الخلق والاستقامة واعتنوا بتربيتهم تربيةً صحيحة فأنتم مربون قبل أن تكونوا ملقنين. *العلم بين الرسالة والوظيفة أما من منَّ الله عليهم بالعلم والمعرفة من العلماء ورثة الأنبياء فإن واجبهم عظيم في البلاغ والبيان وتعليم المسلمين أمور دينهم وإعادة مكانة العلم في المساجد ودور العلم كي لا يقعوا تحت طائلة الكتمان المحرم.ونداءٌ إلى من ائتمنوا على إعداد الخطط ورسم مناهج التعليم لأبناء المسلمين وبناتهم أن يتقوا الله فيهم ويشبعون نهمهم من العلوم الشرعية ويجعلوا مناهجهم مبنية على الكتاب والسنة ويبعد كل ما يتنافى مع مبادئنا لتتحول المدارس والمعاهد والجامعات إلى صروح خير وهدى وميادين توجيه وتربية. ودعوة إلى أولياء أمور الطلبة والطالبات أن يعوا دورهم الكبير في متابعة أبنائهم وتفقد أحوالهم وإيجاد العلاقة الوطيدة بين الأسرة والمدرسة ليتم التعاون البنَّاء المثمر علماً وعملاً وتوجيهاً وتربية. هذه إشارات يسيرة في مهمة عظيمة أرجو أن يكون طرحها بمناسبة يوم العلم 16أفريل حافزاً للهمم في أن يعي كل واحد منا دوره ليتم لمجتمعنا ما تصبو إليه من عزة ومنعة ونصرة ومجد وقوة واعلموا أنكم في زمان لا مخرج لكم من فتنه إلا بالتسلح بالعلم النافع فهو العاصم من الانحراف بإذن الله. وإن من الظواهر الخطيرة في هذا المجال ظاهرة التعالم وادعاء كثير من الناس العلم وهم ليسوا كذلك بل ليسوا من أنصاف المتعلمين فيحصل عندهم من الجرأة على الله وعلى رسوله وإصدار الفتاوى والنيل من أهل العلم المعتبرين ما يسبب خطراً كبيراً على المجتمعات. إمام مسجد القدس حيدرة/ الجزائر العاصمة * محاضرة ألقيت على هامش الملتقى الدولي المذهب المالكي