انتقل إلى رحمة الله تعالى واحد من أهم علماء ومشايخ الجزائر، ويتعلق الأمر بالشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الذي وافته المنية، قبل ساعات قليلة، عن عمر يناهز 97 سنة، وقد أكد خبر موته عدد من المقربين منه وقراء الحرم وعلماء من الحجاز. والشيخ رحمه الله درس بالمسجد النبوي أكثر من ستين سنة، وله جهود كبيرة في خدمة الإسلام والدعوة إليه. رحمه الله وغفر له ورزق أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. وفيما يلي ترجمة موجزة للراحل رحمه الله: اسمه ونسبه هو الشيخ الفاضل الكريم أبو بكر جابر بن موسى الجزائري، واسمه أبو بكر والكنية هي الاسم واسم أبيه موسى بن عبد القادر بن جابر وجابر جده الأكبر وكنية الشيخ أبو عبد الرحمن. والشيخ من بني هلال أحد القبائل العربية والتي خرجت من الجزيرة العربية واستقرت في إفريقيا واستوطنتها فهو عربي الأصل. مولده ولد حفظه الله بقرية لِيوَه بكسر اللام مع المد وفتح الواو ثم بعدها هاء وهي قرية زراعية من قرى مدينة بسكرة بينها وبين بسكرة أربعون كيلومترًا على القرب منها ومدينة بسكرة كانت تسمى عروس الجنوب الجزائري لما حباها الله من الزروع والثمار والأنهار فهي واحة جميلة في صحراء الجزائر وكان مولده عام 1342ه وتوفي والده في عامه الأول فنشأ في حجر أمه. نشأته وأسرته كانت أسرته أباؤه وأجداده حفاظ القرية للقرآن الكريم يتوارثون ذلك فنشأ في ذلك الجو المتدين فأشرفت أمه على تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم وغرست فيه الأخلاق الفاضلة كالصدق والأمانة فكانت خير معين له وأتم حفظ القرآن في القرية ولم يبلغ وأمَّ بهم وسِنه ستة عشر عامًا وتعلم القراءة والكتابة في القرية. وسمع أن ببسكرة شيخًا يعلم النحو والفقه وهو الشيخ عيسى معتوفي فاستحضره إلى قريته وأسكنه في داره وأضافه وخدمه في سبيل تعليمه فدرس عليه الآجرومية ومنظومة ابن عاشر في الفقه المالكي ومصطلح الحديث وغيره. ثم بعد ذلك انتقل إلى بسكرة فتعلم على مشايخ بها مثل: نعيم النعيمي والطيب العقبي وقد لازم الشيخ الطيب العقبي وتتلمذ عليه وكان الشيخ الطيب العقبي قد درس بالمسجد النبوي الشريف العقيدة السلفية الصافية على مشايخ الدعوة إبان دخول الحجاز تحت الحكومة السعودية فتأثر مترجمنا به وقد لازمه في دروس التفسير عدة سنوات في العاصمة الجزائرية وهو من أفاضل مشايخه. وانتقل الشيخ إلى العاصمة (الجزائر) وعمل في جمعية العلماء المؤلفة آنذاك والتي كانت النواة الجيدة في غرس العقيدة السلفية ومحاربة البدع الشائبة للإسلام فترعرع الشيخ في هذا المحيط المبارك والمنهج الصحيح محاربًا للبدع والخرافات لتصحيح مسيرة الأمة الإسلامية الجزائرية فعمل على نشر الوعي السلفي فأنشأ مجلة (الداعي واللواء) الناطقة بلسان شباب الموحدين والتي هي جمعية إصلاحية. وكان حفظه الله يحرر أبوابها كلها بنفسه وكلماتها كان يوزعها بنفسه ثم في عام 1372ه قدم إلى مكة للحج والعمرة والزيارة وكان قصده بعد أداء فريضة الحج الرجوع إلى بلده إلا أن الإخوة الجزائريين المهاجرين المقيمين بالمدينة حببوا له البقاء للاستفادة منه ولا سيما عمه عيسى -رحمه الله- والذي كان محبًّا للمدينة النبوية وتمنى الموت بها وقد استجاب الله دعاءه فتوفي بعد الحج مباشرة فتأثر الشيخ بذلك في حبه للبقعة المباركة المدينة النبوية الطاهرة فأحب المدينة وأحبته فصار علمها الآن، وهذه ثمرة الحب الصادق فعزم على البقاء. وواصل بعد ذلك الأخذ على مشايخ المدينة فلازم حلقة الشيخ عمر بري والشيخ محمد الحافظ وكذلك الشيخ محمد الخيال ورئيس قضاتها وخطيب مسجدها الشيخ عبد العزيز بن صالح. ثم بعد ذلك عام 1374ه حصل على إجازة من رئاسة القضاة بمكةالمكرمة للتدريس بالمسجد النبوي الشريف وما زال كذلك حتى يومنا هذا أمد الله في عمره المبارك. أعماله عمل في التدريس بوزارة المعارف وذلك في المدرسة المحمدية وكذلك عمل في التدريس بالمدرسة السلفية ثم بدار الحديث المدنية ثم لما فتحت الجامعة الإسلامية انتقل إليها وكان له دور فعال في إنشائها حيث دعا إلى ذلك لدى المسؤولين وأيضًا كان من الداعين إلى إنشاء رابطة العالم الإسلامي وإذاعة القرآن الكريم. وتدريسه وتعليمه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لعقود حتى الآن يتميز الشيخ الجزائري بعقيدته الصافية وأفكاره الإصلاحية التي تبعث على النهضة الإسلامية على منهج صحيح وقد أخبر أن لديه فكرة إنشاء حلقات علم بالمسجد النبوي الشريف تُخَرِّج علماء متخصصين في الشريعة الإسلامية وذلك لما رأى من نقص العلم وذهابه بذهاب العلماء وضعف مستوى من يأتي وهذه نهضة علمية إسلامية جيدة تراود الشيخ حقق الله أمنيته. إمامته في المسجد النبوي قال الأستاذ سعد العتيبي: أم الشيخ أبو بكر الجزائري المصلين في المسجد النبوي في صلاة العصر عام 1413ه عندما تأخر إمام المسجد النبوي الشيخ عبد العزيز بن صالح. بعض تلاميذه تخرج على يديه كثير من الطلاب من الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في قسم التفسير أما في كلية الشريعة بالجامعة والمسجد النبوي الشريف فلا يحصي عدد ذلك إلا الله نذكر منهم: فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن صالح بن محيي الدين الشيخ عدنان بن عبد العزيز الخطيري الشيخ عبد الرحمن بن صدوق الجزائري الشيخ إدريس بن إبراهيم المغربي الشيخ حمزة بن حامد بن بشير القرعاني الشيخ الدكتور عبد الله بن الشيخ محمد الأمين الشيخ الدكتور مختار بن الشيخ محمد الأمين الشيخ الدكتور عمر بن حسن فلاته المدرس بالمسجد النبوي الشيخ عواد بن بلال بن معيض الشيخ عبدالله بن فايز الجهني الشيخ عبد الحليم نصار السلفي وغيرهم....... أحيل إلى التقاعد عام 1406ه ولكن منزله عامر بطلاب العلم وله دروس في منزله قبل الظهر في التفسير: أيسر التفاسير وفي الحديث: صحيح البخاري وموطأ مالك فضلًا عن دروسه في الحرم النبوي الشريف وهي مستمرة في جميع ليالي الأسبوع ما بين المغرب إلى العشاء وبدأها مع بدء إجازته للتدريس. وكان أولًا عند باب الرحمة ثم انتقل مكان الشيخ محمد بن تركي ثم انتقل إلى آخر المسجد النبوي الشريف بجوار باب عمر بن الخطاب وأخيرًا في التوسعة الجديدة من المسجد أمام باب الملك سعود القديم.