هذه الدعوة العظيمة من الدعوات الجليلة التي دعا بها خليل الرحمن فيها أعظم المطالب والمقاصد التي عليها النجاة في الدار الآخرة وهو طلب المغفرة له ولجميع المؤمنين يدل دلالة جليلة على ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من الشفقة لجميع المؤمنين. قوله: _رَبَّنَا اغْفِرْ لِي_: خصَّ نفسه بالمغفرة وقدّمها في الدعاء هضماً لها وشعوراً بالتقصير مما لا يسلم منه البشر . قوله: _وَلِوَالِدَيَّ_ دعا لهما بالمغفرة لعظم حقهما عليه كما قال تعالى: _وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا_ إلا أنه دعا لأبيه بالمغفرة إنما كان عن موعدة وعدها إياه فلمّا أصرّ على الكفر تبرأ منه قال تعالى: _وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ_ فدلّت الآية الكريمة على عدم جواز الدعاء للمشركين بالمغفرة ما داموا على الكفر والشرك سواء كان في حياتهم أو بعد مماتهم لكن له أن يدعو لهم بالهداية والتوفيق للإيمان كما قال الإمام البخاري رحمه اللَّه في صحيحه: ((باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم)) ثم ذكر الأدلة في ذلك. وقوله: _وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ_: أي واستر ذنوب المؤمنين وتجاوز عن سيئاتهم يوم يثبت ويتحقق محاسبة أعمال المكلَّفين على الوجه الأعدل منك ولا يوجد أعدل منك يا ربنا. وفي هذه الدعوة البشارة الكبيرة لكل مؤمن ومؤمنة بالمغفرة لأن اللَّه تعالى لا يرد دعاء خليله فيما سأله وكذلك بشارة النبي صلى الله عليه وسلم فعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال:سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب اللَّه له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)) والحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة فهنيئاً لمن أصابته هذه الدعوة الطيِّبة. لذا ينبغي للعبد أن يكثر من هذه الدعوة المباركة الشاملة لكل مؤمن ومؤمنة من لدن آدم إلى قيام الساعة ويدخل في ذلك الداعي وأهله دخولاً أولياً . قال ابن كثير رحمه اللَّه: ((ينبغي لكلِّ داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته))