من القرآن الكريم والسنة النبوية هكذا نغرس مراقبة الله في نفوس أطفالنا تربية الأطفال على مراقبة الله: يبدأ منذ نعومة أظافرهم وينمو في نفوسهم كلما كبروا وتقدموا في أعمارهم وعلى الرغم من أن الطفل في مرحلة الطفولة غير محاسب لأنه دون التكليف إلا أنَّ غرس المراقبة لله والخوف من المعصية أمر لا بُدَّ منه مبكرًا حتى يَشُبَّ الطفل عليه. وقد ذكر الله تعالى من تربية لقمان لابنه أنه قال له: _يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ_[لقمان: 16] وفي هذا لفتة كريمة للآباء والمربين عند زجر الأبناء وتخويفهم: أن يكون التخويف بالله والدعوة لمراقبته واستحضار علمه واطلاعه جل شأنه. وفي الحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ ِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَات : احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ. إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ. وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْء : لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْء : لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية (احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء: يعرفك في الشدة. واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطأك واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرى). فهذه تربية على إيقاظ الحس إلى مراقبة الله وفي تراجم السلف: قال سهل التستري رحمه الله : كان خالي محمد بن سوار يقول لي وأنا ابن ثلاث سنين قل: الله معي الله ناظر إلي الله شاهد علي ويأمرني أن أكرر ذلك. وتزداد الحاجة إلى هذه القيم خاصةً هذه الأيام التي انتشرت فيها وسائل الغواية والضلال دون رقيب أو حسيب قيمة المراقبة مراقبة الله عزّ وجل في كلِّ وقت وفي كلِّ حين وهذا الخلق كفيل بأن يحفظ أبناءنا من الوقوع في المهلكات وجديرٌ بأن يعصمهم من الوقوع في الزلل والخطايا إن أحسنا غرسه في نفوسهم. وللوالدين دور رئيس في غرس هذه المعاني في نفوس أطفالهم التي لها أكبر الأثر في استقامتهم ونجاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وفيما يلي جملة من العوامل التي تساعد الوالدين على غرس معاني مراقبة الله في نفوس أطفالهم. التوجيه بشكل مباشر: نتحدث مع الطفل بحسب مرحلته العمرية ونحاول تيسير معنى أن الله يطلع على كل ما نفعل صغيرا كان أو كبيرا وأن الله يرانا وأنه سبحانه وكَّل بنا ملائكة لا يفارقوننا إلا عند قضاء الحاجة يحصون علينا أعمالنا ويكتبونها وأنَّ هناك على الكتف الأيمن مَلَكًا يكتب الحسنات وعلى الكتف الأيسر ملكًا يكتب السيئات والأخطاء فإذا أخطأ الطفل فليسارع بالاستغفار قبل أن تُكتب في سجلّ السيئات وحتى إن كُتبت فالاستغفار يمحوها ويبدِّلها حسنةً بإذن الله وذلك لأنَّ الله يحبنا ويريد لنا الخير في كل وقت. تعزيز محبة الله تعالى ورسوله: تعزيز محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في نفس طفلك فنتحدث معه بشكل يفهمه ويستوعبه عن قدرة الله وصفاته وحبه لنا ورحمته كما نتحدث معه عن رسوله وكمال خلقه وسيرته هو أصحابه الشعور بمحبة الله له يجعله يحرص على ألا يفعل ما نهانا عنه. تذكيره بنعم الله: التذكير بنعم الله عليه وعلى الناس جميعا: يغرس محبة الله في نفسه ويعمق معنى المراقبة حيث تعتبر المراقبة ثمرة من ثمرات معرفة نعم الله الكثيرة على الإنسان وإذا قصر الإنسان في العبادة فهو لم يشكر الله حق شكره مما يولد عنده الإحساس بالمراقبة لله عز وجل ومحاولة الاجتهاد في الحمد والشكر بدوام الاستقامة على المنهج القويم توفير بيئة صالحة: للبيئة المحيطة تأثير كبير في الأطفال لذلك من الضروري: توفير البيئة الصالحة ومحاولة ربط الأبناء برفقة صالحة تعينهم على الخير وتساعدهم على التمسك بتعاليم الدين فرؤية الطفل أقرانه يحرصون على الصلاة وحفظ القرآن: يشجعه على منافستهم والاقتداء بهم. كما أن بيئة المسجد هي من أفضل البيئات التي تغرس المعاني والقيم الإسلامية ومنها مراقبة الله. استغلال المواقف اليومية: من الضروري استغلال المواقف اليومية وما أكثرها لغرس مراقبة الله في نفسه فإذا وجدته يجلس وحيدا من الممكن أن أقول له: إن الله معك حتى ولو كنت وحيدا في غرفتك يراك ويراقبك وإذا كنتم في الحديقة في ليلة مظلمة ورأى نملة تمشي نقول له: إن الله يرى هذه النملة في هذه الليلة الظلماء التي قد لا نرى بعضنا فيها ونحن نجلس بالقرب من بعض. وهكذا نستغل المواقف اليومية الحياتية وما أكثرها لغرس مفهوم المراقبة في نفسه. قصص المراقبة: من المهم أن تروي لأطفالك قصصًا عن المراقبة حدثت لأطفال مثلهم: فلا شك أنَّ هذه القصص تترك أثرًا جميلاً في نفوس الأبناء وعندما يحدث من الطفل موقفًا مشابهًا أو يكون وحده ويطلب منه أحد زملائه فعل خطأ معين بحجة أنّه لا يراه أحد فلا شك سوف يتذكر الطفل هذه القصص ويكون هو بطل الموقف ويرفض بشدَّة ويقول من أعماق قلبه: (إن الله يراني) ونورد هنا بعض الحكايات والقصص الواقعية التي حدثت لأولاد صغار تشربوا الإيمان وحب الله في الصغر فعلموا أن الله يراهم فاستحيوا أن يراهم على معصية. 1- بنت بائعة اللبن: مرّ عمرُ ابن الخطاب رضي اللهُ عنه ذات ليلة يتتبع أحوال الأمَّة وتعب فاتكأ على جدار ليستريح فإذا بمرأة تقولُ لابنتها: أمذقي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع. فقالت البنتُ: إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي ألا يشابُ اللبنَ بالماء. فقالتِ الأمُ: يا ابنتي قومي فانكي بموضع لا يراكِ فيه عمرُ ولا مناديه. فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله؟ واللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملا واعصيه في الخلاء. 2- الغلام الراعي: عن نافع - رحمه الله تعالى - قال: خرجت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة - أي : طعامًا - فمرّ بهم راع - فقال له عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - : هلمّ يا راعي فأصب من هذه السفرة - يعني: هيا تعال وتناول معنا الطعام - - فقال: إنّي صائم. - فقال له عبد الله - رضي الله تعالى عنهما -: في مثل هذا اليوم الشديد حرّه وأنت في هذه الشِعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم. - فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية. فعجب ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما -. - وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها - نذبحها - ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها....؟ - قال: إنّها ليست لي إنّها لمولاي- أي: لسيدي ومالك أمري -. - قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب؟ فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول: فأين الله..؟ - قال : فلم يزل ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - يقول : قال : الرّاعي فأين الله؟. فلما قدم المدينة فبعث إلى سيّده فاشترى منه الراعي والغنم وأعتق الراعي ووهب له الغنم - رضي الله تعالى عنهما تعقيب على القصة: ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أحبّ أن يختبر أمانة الراعي فأعجبه جوابه وقيل: إنّه بكى لقول الراعي وهو رافع إصبعيه إلى السماء فأين الله؟ وهنا درس عظيم الأثر وهو: تنمية الصّلة بالله- تبارك وتعالى- وخشيته في الغيب والشهادة وغرس روح المراقبة في النفوس. الدعاء لأطفالنا: من أفضل الوسائل في التربية هو: دوام الدعاء لأبنائنا بالصلاح والهداية والخوف من الله ومراقبته في السر والعلن: فهذا من أنجع العوامل لصلاح الأبناء والتي يغفل عنها الكثيرون. إن الله تعالى قد جعل بين أيدينا سلاحا فعالا لصلاح الأبناء واستقامتهم في حياتهم. فلا نبخل عليهم بالدعاء.