في إجابته عن أسئلة أهل الكتاب وغيرهم بما يُسكتهم دلائل النبوة عن علقمة بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (بينا أنا أمشي مع النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في خراب المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح وقال بعضهم: لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه فقال بعضهم: لنسألنه. فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت: فقلت: إنه يوحى إليه فقمت فلما انجلى عنه قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء. قال الأعمش هكذا في قراءتنا.8 وعن ابن عباس -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} قالوا: أوتينا علماً كثيراً وأوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً. قال فأنزل الله - عَزَّ وجَلَّ -: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (109) سورة الكهف. وعن أنس بن مالك -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: (أن النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا قال أنس: فأكثر الناس البكاء وأكثر أن يقول رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: سلوني . فقال أنس: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسُولَ اللهِ؟ قال: النَّار ! فقام عبد الله بن حُذافة فقال: من أبي يا رسُولَ اللهِ؟ فقال: أبوك حُذافة . قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ومُحَمَّد-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-رسولاً. قال: فسكت رسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -حين قال عُمَرُ ذلك ثم قال رسُولُ اللهِ: والذي نفسي بيده لقد عُرضت عليَّ الجَنَّة والنَّار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي فلم أرَ كاليوم في الخيرِ والشَّرِّ) عن ثوبانَ مولى رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (كنتُ قائماً عند رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فجاء حَبْرٌ من أحبارِ اليهودِ فقال: السَّلامُ عليكَ يا مُحَمَّدُ فدفعتُهُ دفعةً كاد يُصرعُ منها فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسُولَ اللهِ؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سمَّاهُ به أهلُهُ فقال رسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: إن اسمي مُحَمَّد الذي سماني به أهلي . فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: أينفعك شيء إن حدثتك ؟ قال: أسمع بأذني فنكت رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بعود معه فقال: سل! . فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: هم في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين . قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجَنَّة؟ قال: زيادة كبد النون قال: فما غذاؤهم على أثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجَنَّة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً . قال: صدقتَ. قال: وجئتُ أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال: ينفعك إن حدثتك؟ قال: اسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد. قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله . قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف فذهب فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حَتَّى أتاني الله به ) وفي هذا الحديث من الدلالات ما لا يخفى إلا على عديم العقل أو معتوه وما أخس طبع اليهود من عهد موسى -عليه السلام- إلى اليوم! فهذا اليهودي يسأل عن أشياء فيجيبه عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كأنها رأي العين ومع هذا يكون الرد على تلك الأجوبة بارداً: صدقت وإنك لنبي! ولم يقل حينما رأى الحق ينطق: أشهد أنك رسول الله جئت بالحق الذي وافق ما عندنا من التوراة. ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفحم هذا اليهودي بتلك الإجابات التي علمه الله إياها وكان قصد اليهود من ذلك إعجازه وإضعافه أمام أصحابه وأنى لهم ذلك!!. وعن أبي هُرَيْرةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (لما فتحت خيبر أهديت لرسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- شاة فيها سم فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود فجمعوا له فقال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم فقال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا: صدقت وبررت. فقال لهم: هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا: نعم يا أبا القاسم! وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. قال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: من أهل النَّار؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها!! فقال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبداً . ثم قال لهم: هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم. فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا: نعم. فقال: ما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك وإن كنت صادقاً لم يضرك) وهذا يدل أيضاً على لؤم اليهود وبهتهم فقد سألهم عن أمور لا يعلمها إلى نبي وأخبرهم بأن الشاة مسمومة ومع كل ما ظهر لهم من الآيات الدالة على صدق نبوته لم تزل قلوبهم قاسية نعوذ بالله من ذلك ويدل على ذلك قولهم: وإن كنت صادقاً لم يضرك! فلم يشهدوا برسالته مع رؤيتهم ما تيقن في قلوبهم من أنه رسول الله!. وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (مرَّ على النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يهوديٌّ مُحمَّماً مجلوداً فدعاهم -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا. ولو أنك نشدتني بهذا لم أخبرك نجده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد!. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم!! فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه ) فأمر به فرجم فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُول لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْم آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. يقول: ائتوا مُحَمَّداً -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله -تعالى-: {ومن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في الكفار كلها)