شرح الدعاء من الكتاب والسنة رب هب لي من الصالحين الصلاح: ((ضد الفساد وهما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال وقُوبل في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة قال تعالى: _وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا_ وقال تعالى: _وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا_ هذه الدعوة ضمن دعوات إبراهيم عليه السلام حيث سأل اللَّه تعالى أن يهب له ولداً صالحاً فبعد أن طلب الصلاح لنفسه: _رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ_ طلب الصلاح من اللَّه تعالى لذريته حتى يتم الكمال له ولذريته ومطلب الصلاح هو سؤال الأنبياء والمرسلين . فقد طلبه سليمان عليه السلام فقال: _وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ_ وطلبه يوسف عليه السلام فقال: _تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ_ وهي -كما تقدم _ دعوة نبينا محمد عليه السلام: ((اللَّهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين)) لأن الصلاح هو أفضل الخصال وأسماها وأشرف مقامات السالكين إلى اللَّه تعالى فمن ناله صلح أمره وشأنه في الدنيا وحسنت عاقبته في الآخرة. فإن الولد الصالح من أعظم النعم و أقرِّ الأعين وأحبِّ المُنى وهل يكون الفلاح في الآخرة إلا بالصلاح وسؤال اللَّه تعالى الصلاح للذرية يدخل فيه سؤال اللَّه صلاح البدن والخلق والدِّين أن يكون سليماً مستقيماً في خِلْقته وخُلُقه في ظاهره وباطنه وهذه من أعظم النعم التي يتمناها كل عبد صالح . و قوله: _رَبِّ هَبْ لِي_ فيه بيان أن رزق الولد الصالح مِنَّةٌ ربانيةٌ ومِنحةٌ إلهيةٌ والهبة هي: عطاء بلا عوض ولا ثمن فالهبة منه عز وجل كمال محض لأن الإعطاء منه تفضلاً وابتداءً من غير استحقاق ولا مكافأة قوله: _مِنَ الصَّالِحِينَ_ قَيّد في سؤاله الصلاح وهذا أمر مهمٌّ لأن من الذرية ما يكون سبباً للهمِّ والنّكَدِ وسوء الخُلُقِ. قال ابن جرير الطبري رحمه اللَّه: ((يقول: يا ربِّ هبْ لي منك ولداً يكون من الصالحين الذين يطيعونك ولا يعصونك ويصلحون في الأرض ولا يفسدون)). ففي صلاح الذرية النفع الكبير للوالدين في الدارين ففي الدنيا طاعتهما والقيام على خدمتهما وبذل المعروف لهما وبعد موتهما بالدعاء لهما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إذا ماتَ الإِنْسانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثة : صَدَقَة جارِيَة أوْ عِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ أوْ وَلَد صالح يَدْعُو لهُ)) وقوله عليه الصلاة و السلام: ((بَخ بَخ خَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ)) وفي الآخرة من رفع الدرجات والمنازل العُلا قال عليه الصلاة و السلام: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ)) وفي لفظ آخر موقوفاً على أبي هريرة: ((ترفعُ للميّت بعدَ موتِهِ درجتُه فيقولُ: أيْ ربِّ أيُّ شيء هذا؟ فيُقالُ: ولدُكَ استغفَرَ لَكَ)) ولمّا كانت هبة الولد الصالح عطية عظيمة من اللَّه تعالى ونعمة جليلة من نعمه كان شكرها وحمد الرب تبارك وتعالى عليها واجباً على العبد كما قال تعالى: _وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ_ ولأن بالشكر تدوم النعم_وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ_ فقد وفّى خليل الرحمن بهذه النعمة خير التمام حيث قال: _الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ_ أكد الجملة ب(إنَّ) و(اللام) للدعاء والإجابة أي وهب اللَّه لي على الكبر إسماعيل وإسحاق لأنه تعالى سميع الدعاء وهذه هي عادة اللَّه تبارك وتعالى مع الصادقين السائلين أن يجيبهم ويؤتيهم سؤلهم لأنه سبحانه وتعالى مجيب لمن دعاه كما دلّ قوله تعالى: _فَبَشَّرْنَاهُ_ ((بالفاء التي تفيد التعقيب والترتيب والسببية أي فبسبب دعائه ببشارته)) ودلّت هذه البشارة أنها جاءت عقب الدعاء مباشرة كما دلّ على ذلك ب(الفاء) التي تدلّ على التعقيب دون مهلة وهذا يدلّ على عظم شأن الدعاء فما استجلبت النعم ودفعت النقم بمثله .