واحة الذاكرين رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ _هذه إحدى دعوات زكريا التي قصّها اللَّه تعالى في كتابه . _لما رأى زكريا أنّ اللَّه يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف _وفاكهة الصيف في الشتاء _طمع حينئذ في الولد _وكان شيخاً كبيراً قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيباً وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعقيماً لكنه لكمال إيمانه وحسن ظنه بربه بكمال قدرته تعالى ونفوذ مشيئته وحكمته أقبل على الدعاء من غير تأخير كما أفاد قوله تعالى: ]هنالك[ . _سأل ربه وناداه نداء خفياً كما في قوله تعالى في سورة مريم: ]إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا[ فقوله: ]رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ[: جاء الطلب بلفظ الهبة لأنّ الهبة إحسان محض ليس في مقابله شيء وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد لكبر سنّه ولا للوالدة لكونها عاقراً لا تلد فكأنه قال: أعطني من غير وسط معتاد)) لأنه لم ينظر إلى الأسباب والمسببات بظروفها العادية _بل نظر إلى خالقها وموجدها ومكونها _وهذا هو الإيمان الصادق الخالص للَّه تعالى وعلى حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته وسحب فضائله التي لا تحدّ ولا تعدّ . _وقوله: ]مِن لَّدُنْكَ[: أي من عندك إضافة العندية إلى اللَّه تعالى ليكون أبلغ وأعظم لأنّ هديّة الكريم عظيمة وجليلة تليق بمقام العظيم الكريم . ]ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً[: في تقييد الذرية بالطيّبة إشارة مهمّة أنّ العبد لا يسأل اللَّه تعالى الذرية فقط فلابدّ أن يقيّدها بالصلاح والطيب التي يُرجى منها الخير في الدنيا والآخرة فالذُّرِّيَّة الطيّبة _هي الطيّبة ((في أقوالها وأفعالها وكذلك في أجسامها فهي تتناول الطيب الحسّيّ والطيِّب المعنوي)). _قوله: ]إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[: تعليل للسؤال: أي إني ما التجأت إليك وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء غير مخيّب للرجاء وختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء فجاءته البشارة العاجلة عقيب السؤال كما أفاد ذلك حرف التعقيب (الفاء) في قوله: ]فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَة مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ[