الشيخ أبو إسماعيل خليفة إذا كان هناك تاريخ يُسجَّل لأفراد أو جماعات فإن الثورة الجزائرية بعيدة عن هذا النهج لأنها لم تكن ثورة أفراد وإنما كانت ثورة شعب تقوده طليعة مؤمنة امتهنت المقاومة والكفاح فسجّلت صفحات خالدة من البطولات والأمجاد. وما يومنا هذا (19 ماي 1956) إلا خير مثال.. إنه يوم مرجعيٌّ يسجله تاريخ ثورة التحرير الجزائرية الكبرى للطلاب الجزائريين الذين استجابوا للنداء الذي وجهه جيش التحرير الوطني لهم كي يغادروا مقاعد الدراسة ويلتحقوا بالثورة في الجبال حيث تقوم هناك معركة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي.. نعم.. في مثل هذا اليوم ترك الطلبة مدارسهم وأثبتوا للعالم أجمع بأنهم على قدر كبير من الوعي والنضج وأنهم أصحابُ إرادة قوية لا تقهر.. خرجوا وكان شعارهم: الشهادات لا تصنع منا أحسن الجثث وكان نشيدهم على لسان شاعر الثورة: نَحْنُ طلاَّبُ الْجَزَائِرْ * نَحْنُ لِلْمجدِ بُناةْ نَحْنُ آمالُ الْجزَائرْ *فِي اللَّيَالِي الْحَالِكَاتْ كَمْ غَرِقنا فِي دِماها*وَاحْتَرَقْنَا فِي حِمَاهَا وَعَبِقنَا فِي سماهَا * بِعبِيرِ الْمُهَجَاتْ نَحْنُ طلاَّبُ الْجَزَائرْ * نَحْنُ لِلْمجدِ بنَاةْ فَخذُوا الأَرْوَاحَ مِنا * وَاجْعلُوهَا لَبِناتْ وَاصْنَعُوا مِنْهَا الْجَزَائِرْ وَخذُوا الأَفْكَارَ عنا*وَاعْصِرُوا مِنْهَا الْحَياةْ وَابْعثوا مِنْهَا الْجَزَائرْ لكن أيها السادة ما قيمة التاريخ إذا كان قراءة للأحداث دون استيعاب ولَوْكًا للماضي دون عبرة وتغنّياً به من غير استخلاصِ الموجبِ الخلاقِ لإثراء الحاضر بالتجارب العظيمة ومدِّه جسرا إلى المستقبل بمزيد من التصميم والحماسة والإقبال. فإذا كان هذا ما سجله التاريخ عن طلبة ثورة التحرير المباركة خلال إضرابهم الوطني يوم 19 ماي 1956 وقد تركوا تلك الرسالة مفتوحة لأجيال الاستقلال من الطلبة وهي حماية مكتسبات الثورة والدفاع عن مبادئها وحماية سيادتها والتجند الكلي من أجل الحفاظ على مكانتها وعدم ترك المجال للفاسدين بان يعبثوا بها ولعل هذا ما قرأه طلبة 2019. فما عليهم إلا السير على نفس الخطى من أجل التغيير الايجابي والجذري بشكل يعكس وفاءهم لأسلافهم وعلى أنهم من سلالتهم ويبرهن على ثقلهم ودورهم في ترقية الثورة إلى أعلى غاياتها الإنسانية. والسّاحةُ للصادقين المُخلصين والانتماءُ الوطني هو الأغلَى وتيّارُ الحقِّ والكرامة هو الأقوى في عَدالة سائدة وحرية مُنضَبِطة وشعور جماعيّ بالحِفاظ على الوطَن والممتلكات والمُكتَسبات والبعد والتصدي لكلِّ فتنة أو مسلك أو دعوة تُهدِّد الوطَن ووحدَته والمجتمعَ وعَيشَه. ألا فكُونُوا صفًّا واحدًا في كَتيبَة واحدة مُتراصَّة لمواصلة الطريق وتعاونوا على البِرِّ والتَّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان. نسأل الله أن يرحم شهداءنا الأبرار الذين عبدوا لنا طريق العزة والكرامة بتضحيات جسام وأن يجعل على ركب الطلبة الاولين خطى طلبة اليوم ويُمكِّن لهم من أسباب الرقي والسؤدد ما يجعلهم خير خلف لخير سلف.