*الشيخ عبد الوهاب العمري عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه وأنيبوا إليه وتوكلوا عليه فإنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو الله مولانا: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 122]. أيها المسلمون: الأوبئة والطواعين ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى- لعباده وعقوبة لمن أراد عقابه والمؤمنون إذا أصابتهم مصيبة قاموا بأمر الله -عز وجل- فيصبرون ويحتسبون ويؤجرون على ذلك أعظم الاجر فمن مات في الوباء كان موته في الوباء شهادة له كما أخبر بذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون فأخبرني: أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وإن الله يجعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يصيبه الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر شهيد [رواه الامام البخاري]. وفي حديث آخر: الطاعون شهادة لكل مسلم [والحديث متفق عليه]. والفرار من الطاعون كالفرار من الزحف كما جاء في حديث عنه صلى الله عليه وسلم. والتوجيه النبوي فيه أنه: إذا سمع بالوباء في بلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها. وهذا التوجيه الكريم: يقتضي محاصرة الوباء وعند إعلان المسؤولين بأنه وباء وبأنه أصبح خارج السيطرة والتحكم في شأنه فينبغي للمسلم أن يحتسب عند الله الالتزام بالنصوص الشرعية فيما يكون عليه حاله من عدم التعرض لمثل هذه الأوبئة أو المساعدة في انتشارها وكان عمر -رضي الله عنه- خرج بالناس فلما عوتب رضي الله عنه في ذلك لما أبى أن يدخل إلى أرض عمواس لما فيها من الطواعين وقف واستشار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يجد عند كثير منهم خبرا فقال: أرجع بالناس ولا أدخل فعاتبه بعض الصحابة وقالوا: تفر من قدر الله؟ قال: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. فجاء عبد الرحمن بن عوف فأخبر عمر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله وسلم- يقول: إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تدخلوها فقال: الحمد لله الذي وفقنا لما أمر به رسول الله -صلى الله وسلم-. وهذا يدل على أن هذا الحديث قد جعل للناس مرجعا وأصلا في التعامل مع الاوبئة والاضرار. وكذا فعل عمر -رضي الله عنه- مع توافر الصحابة وإجماعهم وتأييدهم لما فعله رضي الله عنه فهو دليل آخر بالاجماع على تقصي الوباء والتحصي له والابتعاد عنه. عباد الله: إن الله -عز وجل- يبلو عباده بما يشاء يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد فاملؤوا قلوبكم يقينا بأنه لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم فلقد كانت الطواعين والاوبئة تأخذ من البيت من تأخذ وتترك من تترك فمن حي أحياه الله ومن مات فالله الذي أماته ولكل أجل: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 122]. فلا يكن همك في أن تدفع عن نفسك ما لم يدفعه الله ولا أن تجلب لنفسك ما لم يجلبه الله فعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين! وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مسلمين. وليأخذ المؤمن بالإجراءات المناسبة في مثل هذه الأحوال بالحرص على الخير والتوبة إلى الله والإنابة إلى الله وإنكار المنكرات التي هي سبب غضب الله على من أنزل بهم ما شاء من هذه الأوبئة. فالتوبة تجب ما قبلها وما تدارك الإنسان نفسه من شيء أعظم من أن يتدارك نفسه بالتوبة إلى الله. وحين نتكلم بهذا الكلام فإننا -والحمد لله رب العالمين- في عافية من الله عظيمة ولكن نسمع من كثير من الناس شيء من القلق والتحرز الذي لا طائل وراءه والحرص الذي لا ينبغي أن يكون فيه حتى أشغل نفسه وأهله ومن حوله بالتحرز الذي لا دليل عليه وبالاحتياط الذي لا مبرر له فلكم سئل أهل العلم عن جواز السفر إلى بعض مناطق المملكة التي فيها بعض حالات: الكورونا ولم يكن في هذا السؤال بأس لكن ينبغي أن يكون للناس علم بما ينبغي أن يكونوا عليه في مثل هذا الحال. فأنت -أيها المسلم- لم يكن عندك في يوم من الايام شك في أن الله قادر على أن يبتليك بما شاء وأنت في عقر بيتك وفي داخل مجلسك بعيدا عن مخالطة الناس وما أصاب البعيدين هو الذي سيصيبك إذا شاء رب العالمين وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاحتياط ولكنه قال: لا عدوى ولا طيرة . ولما سئل عن العدوى قال: لا عدوى ولا طيرة . فهنا أراد أن ينزع من الناس التعلق بالمحسوسات فقط ثم قال في الحديث الاخر: لا يورد ممرض على مصح . أي من كان في إبله أو في أنعامه مرض فلا يوردها على الابل أو الانعام السليمة حتى لا يصيبها. وقال في حديث آخر: فر من المجذوم كما تفر من الاسد . فهذه الأحاديث تدل على أنه ينبغي أن يكون هناك توازن: أولا: أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن الذي أصاب أول مريض بالمرض حتى انتشر في الناس قادر على أن يجعلك أنت أيضا أول من يصاب في بلدك والله كاف عباده بما شاء وليس الأمراض بعيب ولكنها قد تكون رحمة من الله يسوق الله الشهادة لمن شاء من عباده المؤمنين وقد يصاب من لم يخطئ وما ذلك إلا رحمة من الله كان معاذ -رضي الله عنه- في طاعون عمواس يقول: يا طاعون خذني يا طاعون خذني ومات به رضي الله عنه لما سمع من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الموت به شهادة. والأحاديث الأخرى تدل على وجوب الاحتراز والتحري وعدم المخالطة لأهل المرض ومن فيهم شيء من عوارضه وهذا ما يوصي به العلماء والمختصون من الاحتياطات الاحترازية ليس القلق وليس الإرجاف في الناس وليس تخويف الناس وليس نشر القلق في الناس فهذا ليس بمطلب شرعي بل المسلم عاقل فطن يعرف كيف يتصرف في مثل هذه الأمور ونحن في عافية -ولله الحمد والمنة- في أحوالنا جميعا وليس عندنا قليل من كثير أصاب الله به غيرنا من الامم فاحمدوا الله على نعمه واشكروه على فضله واسألوه من صدق وبصدق أن يصرف عنا وعنكم وعن إخواننا المسلمين كل شر وفتنة. ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.