"أخبار اليوم" ترصد آراء الأساتذة حول تداعيات وباء "كورونا" على القطاع "التعليم عن بُعد لا يمكنه تحقيق أهدافه كاملة لكنه ضروري" إعداد: جمال بوزيان تحوّل التعليم عن بعد إلى "أمر واقع" في ظل استمرار غلق المدارس ضمن إجراءات كبح تفشي كورونا، لكن هل يمكنه تحقيق أهدافه؟ وهل هو مجد في الجزائر في ظل العقبات التكنولوجية المختلفة؟ وهل تملك بلادنا الأدوات التي تسمح بتجسيد هذه الصيغة من التعليم التي بلغت مراحل متقدمة في بلدان أخرى.. الدكتور عابد فكرات "أستاذ بجامعة وهران" الدروس التلفزيونية والمنصات الإلكترونية بديلان لم يحظيا بقبول كامل من الأساتذة والطلبة والتلاميذ وحتى خبراء التربية كان الاهتمام بالتعليم وإنجاح العملية التعلمية التعليمية ديدن الدول المتحضرة قديما وحديثا لا سيما في الأوقات العصيبة كأزمنة المصائب العامة والأوبئة القاتلة، ومنه زماننا هذا حيث انتشار جائحة "كورونا 19" العالمية الذي اكتسح العالم كالنار في الهشيم؛ الشيء الذي أنهض وزارات التربية في العالم إلى اتّخاذ مجموعة من التدابير التربوية لضمان استمرارية التعليم والتعلّم. ولتحقيق هذا المقصد اتّخذت وزارة التربية ببلدنا جملة من الإجراءات التربوية، اختلفت أنظار أهل الاختصاص في نجاعتها من عدمها، من تلك الإجراءات البديلة بثّ الدروس التلفزيونية ومن ذلك أيضا إنشاء المنصات التعليمية الإلكترونية.. من المعلوم أن كلا البديلين لم يحظيا بالقبول التام والرضا الأكمل عند أهل الاختصاص من الأساتذة والتلاميذ وحتى خبراء التربية لا لشيء إلا أنها ليست كفيلة بتحقيق ما وضعت له في الجزائر لعدة أسباب، وتخلّف الأهداف والمرامي والغايات يقتضي عدم صلاحية الوسائل والأسباب هذا ولعلّ من العدل أن نقول: - إن إقدام الوزارة على هذه الإجراءات بغض النظر عن نجاعتها لهو عمل يستوجب شكرها عليه. - إنّ هذه التدابير التربوية ليست من أصول العملية التعلمية التعليمية بل هي بدائل ساقتنا إليها الظروف سوقا قاهرا، والبدائل لا تعامل معاملة الأصول والثوابت. - المقارنة بين هذه الإجراءات يلزم النظر في مدى تحقق الهدف التعلمي منها كذاك الذي يحققه الأستاذ في قسمه أو قريبا منه. - كلا الإجرائين غير مجديين وغير فعالين لعموم الطلاب، وهما قاصران عن تحقيق الكفاءة المستهدفة للوحدات التعليمية للمواد ولا سيما العلمية منها.. لعل أهم الأسباب عدم تمكّن جميع التلاميذ من متابعة ذلك عبر شبكات الإنترنت فهي غير متوفرة لأغلبيتهم وإن توفّرت لبعضهم فتدفقها لا يفي بالغرض المطلوب، بل حتى الدروس التلفزيونية في ظروف الحجر الصحي واجتماع كل أفراد الأسرة في البيت وتشوش أذهان التلاميذ لا يحقق المقصود أيضا، علما أن انقطاع التيار الكهرباء في الأرياف بات عادة يومية. - نقترح استمرار هذه التدابير وإن لم تحقق أهدافها للأغلبية فضلا عن الكل، وليس في الإمكان أبدع مما كان على أنها للاستئناس بها فقط، وبعد انجلاء هذا البلاء تستدرك كل الدروس وتؤجّل العطلة الصيفية بالمقدار الذي يحقق إكمال المنهاج الدراسي لأن إمكاناتنا المادية والبشرية والتكنولوجية لا تسمح لنا في الوقت الراهن من إيجاد بدائل ناجعة فعالة يتحقق بها ومعها الهدف التعلمي التعليمي. شريف زغني أستاذ بالمدية وكاتب: أغلب المتعلمين الجزائريين لا يملكون لوحات رقمية وهواتف ذكية وحواسيب يقول العلامة جمال الدين الأفغاني:".. إن الأزمة تلد الهمة، ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق.." مقولة تأخذنا في الوقت الراهن إلى أبعادها العملية.. ففي ظل الحجر المنزلي الذي تفرضه الدولة على الجميع من أجل الحفاظ على صحتهم، وتجنبا لانتشار فيروس "كورونا 19" لقد لجأت وزارة التربية بتوصيات من رئيس الجمهورية إلى تسبيق عطلة الربيع قبل وقتها وتمديدها بعد نهايتها إلى خمسة عشر يوما أخرى حال بقاء الوباء منتشرا في ربوع الوطن. ولكن هذا الإجراء حرم التلاميذ والطلاب في كل الأطوار التعليمية الاستفادة من الدروس التي تقدم لهم في أقسامهم، ومن أساتذتهم الذين تأقلموا معهم من بداية السنة الدراسية. ولذلك ارتأت وزارة التربية الوطنية تقديم دروس مرئية على المنصات الإلكترونية، وبث دروس أخرى على قنوات التلفزيون العمومي.. ولكن هل ستؤدي هذه العملية دور الأستاذ وتنوب عنه في تقديم المادة العلمية والأدبية للطلبة والتلاميذ؟ إن أغلب الأساتذة يرون بأنه لا يمكن لمنصات التعليم الذاتي المفتوح أن تكون بديلا عن التعليم التقليدي في كل أطواره.. عند ما يكون دور الأساتذة نوعيا أي يتضمن التفاعل مع الطلبة وبث روح النشاط والحماس فيهم فبهذه الحالة تصبح المنصات دعامة تكميلية فقط لزيادة المكتسبات المعرفية التي تحويها المناهج الدراسية حسب مقرراتهم الدراسية، بالإضافة لذلك فإنه إذا كانت الدروس الأدبية تعتمد كثيرا على الإلقاء والتلقي بين الأستاذ والطالب وحفظ القصائد والمقالات الفلسفية والأدبية وملخصات الدروس في التاريخ والجغرافيا وباقي الأنشطة الأدبية فإن الدروس العلمية تحتاج القيام بالتجارب العلمية البحتة وممارسة الطالب النشاط المحسوس حيث يقوم المتعلم بالتجربة بنفسه ويسجل نتائجها وهذا مفيد جدا لترسيخ المعلومة في ذهنه، بالإضافة للتمارين والوضعيات الإدماجية التي قد يعجز الطالب عن إيجاد حلول لها بمفرده وقد يستدعي ذلك وجود الأستاذ للشرح والتيسير حتى يبين لهم بدايات الحلول وطرقها. ولكن في كل الحالات نحن مجبرون لا مخيرون، (فيروس كوفيد 19) ينتشر بسرعة، وقد أجبر كل دول العالم على تعطيل المدارس والثانويات والجامعات ولجأت أنظمتها إلى تقديم الدروس عن بعد بعدة طرق منها ما يبث على المنصات الإلكترونية ومنها على القنوات التلفزيونية.. ولأن الدول المتقدمة متحكمة في التكنولوجيا وسرعة تدفق الإنترنت لديها عالية جدا وبأسعار في متناول الجميع وفي بعض الدول دون مقابل، لكنها في بلادنا لا تؤدي دورها ولن تجد ضالتها لأن أغلب المتعلمين الجزائريين لا يملكون لوحات رقمية وهواتف ذكية وحواسيب، وإن توفرت فإن مبالغ الاشتراك في الإنترنت ستكون عائقا أمام الأُسر خاصة التي تستعمل منها شبكات الهاتف النقال، إذن الدروس المقدمة عن طريق الموقع الإلكتروني "يوتيوب" تستهلك الكثير من الرصيد ولن تفي بالغرض، ولذلك فأفضل وسيلة في الوقت الحالي هي تقديم الدروس عن طريق بث الحصص في قنوات التلفزيون العمومي الأرضي وعبر "الساتل".. وكان لزاما على الدولة فتح قناة تلفزيونية لكل مستوى تعليمي، الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي، وتؤطر العملية بأساتذة من ذوي الكفاءات يقدمون دروسا مسجلة ومحضرة جيدا بأسلوب يسير لا يدع الطلاب في حيرة وطرح أسئلة حول الدرس لأن الرد عليها سيكون مستحيلا، وتكون دروس الطلاب حسب التدرج السنوي حتى يتسنى للجميع الاستفادة من هذه العملية التعليمية ومواكبة جميع دروس الفصل الثالث عن بعد حتى نهاية الفصل مستعدين في ذلك للاختبارات والامتحانات النهائية. عبد الرحمان طيب أستاذ اللغة الألمانية بوهران: توفير قنوات تعليمية لمستويات الابتدائي والمتوسط والثانوي على مدار 24 ساعة مما لاشك فيه، أن تداعيات الفيروس "كورونا 19" جعل الوزارة الوصية في محك صعب، خاصة وأننا لا نزال نقبع في درجات السفلى في مجال التعليم، مقارنة مع الدول المتطورة الغربية و حتى العربية المشرقية مثل الأردن على سبيل المثال لا الحصر. في كل أرجاء العالم اتخذت العديد من الدول خطط لإنقاذ الموسم الدراسي خصوصا تلك الأقسام المعنية بالامتحانات نهاية السنة، حيث قدمت وسائل بديلة تمكن طالب العلم أو التلميذ بمزاولة تمدرسه عن بعد وعبر وسائط تعليمية الحكومية وكذلك الخاصة. كما أنها خصصت أساتذة يمكنهم التنقل إلى بيوت التلاميذ لتقديم الدروس من اجل استكمال البرنامج الدراسي. أصبحت الحكومة حاليا أمام عدة خيارات، أهمها تعليق مسار الدراسي مع احتساب الفصلين الأول والثاني وللأقسام العادية مع الإبقاء على الامتحانات وربما تأجيلها إلى شهر سبتمبر القادم أو استكمال المسار الدراسي مع تحديد العتبة للأقسام المعنية بالامتحانات. من بين الإجراءات التي تعول عليها الوزارة الوصية هي الاعتماد على المنصات التعليمية الإلكترونية التي غالبًا ما تكون مدفوعة أو بالاشتراك، أكيد هو تحدي كبير تريد الوزارة التربية و التعليم أن تدخله في هذا الوقت القصير من الظرف و نظرا إلى عدم التعود على هاته الثقافة فقد يشكل عبء كبير تكون نتائجه غير مرضية نظرا لسلبيات الفكرة، لا ننسى أنه مثل هاته المنصات تتطلب الإنترنت عالي التدفق كي يسمح للتلاميذ أو الطلبة يسر الولوج إلى عالم التمدرس عن بعد، وهذا يعد أولى عقبات نجاح الفكرة خاصة وأننا نشهد انخفاضا رهيبا في تدفق الإنترنت الآونة الأخيرة.. كما أن المنصات التعليمية غالبا ما تكون مدفوعة وهنا يتحتم الأمر على الأولياء دفع اشتراكات مما قد يتعب كاهل الولي الذي أنهكته الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الجزائري في حياته اليومية. ربما النقطة الإيجابية في المنصات التعليمية هو تنظيم الدروس حيث ييسر على المتعلم اختيار الدرس الذي يريد ووقت ما يشاء، كما يمكنه من ولوج للمحتوى تعليمي مرارًا و تكرارا قصد التدارك. المنصات التعليمية توفر كذلك تمارين وحلولا قد تفيد التلميذ أثناء المراجعة ربما أحسن مما كان يتلقاه وهو في القسم نظرًا لضيق الوقت وتقيد الأستاذ بالبرنامج الدراسي واستعمال الزمن. هناك من ينادي بفكرة تقديم دروس عن طريق قنوات حكومية توفرها الدولة لعامة الشعب، في الأول تذكرنا الفكرة بأيام خلت كنا فيها نحن أيضا تلاميذ وكنا نتسابق لمشاهدة برامج التعليمية الخاصة بالمستويات الامتحان، التاسعة أساسي ذلك الوقت وامتحان بكالوريا أيام الاثنين والخميس مساء وكذلك برامج جامعة التكوين المتواصل يوم الجمعة صباحا. أساس الفكرة جميل وهو تمكين كافة التلاميذ باختلاف إمكاناتهم ومستوياتهم الاقتصادية من الاستفادة من الدروس التي يقدمها أساتذة أكفاء وذوي اختصاص، لكن يبقى العيب الوحيد هو عامل الوقت، حيث يجب على كل تلميذ أن يبقى أمام التلفاز من بداية الحصة إلى نهايتها، هذا من جهة ومن جهة أخرى قد تبدو مملة للبعض خاصة في ظل وجود البدائل. أحد أهم السلبيات في نظري هو عدم القدرة على الرجوع إلى الخلف إذا ما تشتت ذهن التلميذ في المتابعة أو أنه لم يفهم نقطة معينة فمن غير مقدوره أن يضغط على زر "توقف" حتى يتسنى له الرجوع إلى ما فاته. تجدر الإشارة أن غالبية التلاميذ وقبل ظهور "فيروس كورونا 19" كانوا يعتمدون على الدروس الخصوصية التي يوفرها غالبا دخلاء على القطاع التربية والتعليم. العديد من طلبة جامعيين وكذلك البطالين الذين لهم مهن أخرى دخلوا مجال التدريس بغرض الاسترزاق على حساب التلميذ، وهذا يؤثر سلبا على النتائج. فالعديد من الذين ذكرتهم لا يمتلكون فكرة على البرنامج الذي يتغير بشكل دوري طيلة الموسم الدراسي الواحد، حيث يخضع الأساتذة رفقة مفتشي المواد إلى دورات تكوينية، يتم فيها تدارس جدوى البرنامج والدروس المعتمدة والدروس التي حذفت والنقاط التي يجب التركيز عليها والأخرى التي يجب الاستغناء عنها.. هذه النقطة التي يجهلها العديد من الأولياء للأسف، وهذا راجع إلى نقص التوعية لديهم. من خلال خبرتي المتواضعة في الميدان، أقول:لقد راح عبر سنوات العديد من التلاميذ ضحايا هؤلاء المسترزقين، والكثير من الأولياء وبإيعاز من أبنائهم يدفعون أضعاف الحقوق لقاء الحضور إلى جلسة من جلسات الدروس الخصوصية، وهناك من أصبحت له قنوات عبر الموقع الإلكتروني "يوتيوب" وغيرها، وأصبح له عدد هائل من المتابعين، حسابات تضاهي حسابات المشاهير والفنانين. من وجهة نظري المتواضعة وكحلول يمكن أن يفكر فيها أهل الاختصاص والخبرة من خلال هاته التجربة، هي توفير القنوات التعليمية التي تمس المستويات الثلاث (الابتدائي، المتوسط والثانوي) وتشتغل على مدار 24 ساعة مثل نظيراتها القنوات المصرية والسعودية. وكذا توفير منصة تعليمية إلكترونيه وربطها مباشرة مع أساتذة حتى يكون تواصل مباشر بين التلميذ والمؤطر، ويمكن من خلالها طرح أسئلة تفاعلية، ويمكن للأستاذ الوقوف على حاجيات التلميذ. وعليه ربما هي ضارة نافعة لتسترجع الوزارة أهميتها في المجال، في ظل توقف التجمعات التعليمية غير القانونية التي ستُحتم على المتمدرسين التوجه والرجوع إلى الأصل في التعليم عبر مناهج تربوية أكاديمية يقودها أساتذة ذوي اختصاص. فعلى الدولة توفير إمكانات ووسائط سواء عبر القنوات التعليمية التلفزيونية أو المنصات التعليمية الإلكترونية كل حسب إمكانياته وقدراته في سبيل تحصيل العلم والنتائج الإيجابية المرجوة.