بقلم: سامح المحاريق* دشنت منظمة اليونسكو حملة لتذكير العالم بمأساة الهولوكوست التي أودت بحياة أعداد كبيرة من اليهود في ألمانيا وبولندا وبعض الدول الأوروبية الأخرى في مشروع أطلقه الزعيم النازي أدولف هتلر لتطبيق حل نهائي للمسألة اليهودية في أوروبا وهي المسألة التي تمتد بتفاصيلها وتعقيداتها إلى القرن الخامس عشر وشهدت تطورات كبيرة بعد أن أمعنت محاكم التفتيش في إسبانيا في معاقبة اليهود المحظوظون منهم تمكنوا من الهرب إلى بلدان المغرب العربي ومصر والشام حيث وجدوا حاضنة حضارية تقبلتهم ومنحتهم فرصة الاندماج في المجتمع وفي أقصى حالات تطرفها أو تعصبها لم تتعرض لحياة اليهود أو سلامتهم الجسدية. أما الهاربون إلى القارة الأوروبية فواجهوا ظروفاً صعبة لدرجة أنه كان كافياً أن تفقد أي أسرة أياً من أطفالها ليقعوا تحت طائلة العقاب الجماعي. لا تشيع مسألة رفض الهولوكوست بين الفلسطينيين أو العرب بشكل عام فهذه الحوادث المؤسفة جرت بعيداً عنهم ولا يتطلعون لتبرئة أنفسهم منها لأنهم ليسوا مذنبين بخصوصها ومع ذلك كانت الهولوكوست تستغل على مدى سنوات طويلة من أجل شيطنة الفلسطينيين والعرب بشكل عام ويتم تجاهل جميع قضاياهم مثل تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين وطردهم إلى العراء والمجازر التي ارتكبت لإثارة الفزع بينهم ودفعهم لهرب دائم أو مؤقت ليختزل المشهد الذي يشتمل على مفردات المقاومة بالضرورة على أنه استهداف لليهود المستضعفين وبهذه المعادلة ومع حماية الهولوكوست بوصفه رمزاً للشعب اليهودي وليس رمزاً لإسرائيل بالمناسبة فإن الحجر الذي يحمله طفل يتساوى مع دبابة الميركافا. استثمرت الصهيونية في الهولوكوست مرتين فعملت على وضعه تحت الضوء الكثيف لدفع أعداد كبيرة من اليهود للهجرة إلى فلسطين أثناء الحرب العالمية وترك ما يفترض أنها أوطانهم بحكم الإقامة الطويلة فيها والتخلي عن حقوقهم الإنسانية الأساسية وممتلكاتهم ليتحولوا إلى يد عاملة رخيصة تقوم على البنية التحتية لمشروع دولة (إسرائيل) ومرة أخرى استخدمته ضد العرب لخلق حالة من العداء لليهود تحت طائلة اللاسامية التي أصبحت كلمة سر شيطانية للعاطفة العالمية وشعورها بالذنب بعد انكشاف واقع معسكرات الاعتقال النازية وعمليات الإبادة المنظمة إلا أن واقع الحال لم يكن كذلك فمثلاً كان الإعلام المصري الذي توعد (إسرائيل) مراراً وتكراراً بالفناء وأخذت نشوة البلاغة بعض كتابه للقول بإلقاء اليهود في البحر يعبر عن موقف غير سياسي لم يكن يتبناه نظام الرئيس جمال عبد الناصر الذي لم يسجل قوله لمثل هذه العبارات في أي مناسبة كانت وعلاوة على ذلك فعداء عبد الناصر كان للاستعمار والمزايا التي تتحصل عليها الجاليات الأجنبية بشكل عام ولم يكن معادياً للسامية بأي صورة والعداء أساسه مناهضة الصهيونية بوصفها أداة استعمارية في جوهرها. قدمت الصهيونية حلاً للمشكلة اليهودية في أوروبا على حساب اليهود وفي روايته الشهيرة يهود بلا مال يستعرض مايك غولد الشيوعي اليهودي عمليات إكراه اليهود الفقراء على موالاة الصهيونية لمجرد قبولهم في مصانع الأثرياء ومحلاتهم فاليهودي العادي الذي كان يعيش في نيويورك أو فرانكفورت أو وارسو تم تجريده من تصوره الإنساني المعادل لأي مكون شعبي آخر آري أو سلافي أو أنكلوسكسوني ليتم تصديره إلى أرض الميعاد وهي إن كانت أرضاً للميعاد من ناحية النصوص الدينية إلا أنها من الناحية الاقتصادية والعملية كانت أرضاً فقيرة وقليلة الموارد بصورة مزرية مقارنة بما تركه اليهود وراءهم في أوروبا. الهولوكوست جريمة مشينة يجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون تكرارها مهما كانت المبررات أو الملابسات والإبادة والتطهير العرقي مرفوضان سواء كان ضحاياهما يهوداً أو مسلمين أو مسيحيين أو بوذيين أو أياً يكن ومع ذلك يجب ألا يتوجه الهولوكوست ليصبح أداة لخلط الأوراق بحيث يسبغ صورة الضحية العاجزة والخائفة بصورة دائمة على إسرائيل والفرد الإسرائيلي وفي المقابل يعمل على شيطنة الجانب الفلسطيني والعربي واستغلال ذلك في تشويه التصورات التي يحملها العالم تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. رسالة اليونسكو تستحق الالتفات ولكن يبقى السؤال حول الجهة التي تتقصدها الرسالة وإذا كان ثمة عنوان يتوجب أن تقصده فهو اليمين المتطرف في أوروبا الذي يبحث عن ضحية جديدة لتتحمل اختلالات المجتمع الأوروبي ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن يتم حلها ضمن منظومة تستوعب الاختلاف وتقدره ويمكنها أن تتوصل إلى حلول منطقية فالمسلمون يبدون لدى بعض تيارات اليمين يهود الألفية الثالثة وتستحق الرسالة مزيداً من الاهتمام عند التعامل مع قضايا كثيرة لشعوب تتعرض للتهديد الوجودي مثل الروهينجا والإيغور وأخرى تعاني من التهديد الثقافي والحضاري مثل الأكراد والأمازيغ واستعادة الهولوكوست فرصة لمراجعة دورية ومستمرة لفكرة السلام العالمي وضرورة التفاهم الإنساني وتعزيز قيم المواطنة والعدالة والمساواة وبالتأكيد الوقوف عند حقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لسلوكيات هولوكوستية وحلول عنصرية مستمرة وربما يجب أن يكون استرجاع الهولوكوست فرصة لبناء قناعة عالمية بأن كرامة الفلسطيني وحصوله على حقوقه الإنسانية على أرضه وفي أي مكان لجأ إليه هي متطلب أساسي من أجل تحقيق سلام يجعل فرصة الهولوكوست منعدمة ويؤول بويلات حرب محتملة إلى حدودها الدنيا.