مراصد إعداد: جمال بوزيان الجزء الرابع أخبار اليوم تواصل رصد آراء أساتذة حول الآل.آم.دي ضرورة إصلاح الجامعات الجزائرية بدءا بهيكلتها يؤكد كثير من أساتذة الجامعات الجزائرية فشل نظام ل.م.د على عدة صُعُد لكن بعد عملية التقييم لفترة دامت 16 عاما يراد إصلاحه.. سألنا أساتذة عن هذا الإصلاح وعن مقترحاتهم. الدكتور بوفلجة غيات أستاذ جامعي : تأملات في خطة طريق لإصلاح الجامعات الجزائرية ..أهم شيء في كلّ ذلك الإعداد لشهادة الدكتوراه Ph. D في بريطانيا. إذ يكون ذلك في مدّة 3 سنوات وقد تضاف إلى ذلك سنة إضافية كحالة استثنائية بعد دراسة الملف من طرف المجلس العلمي وفي حالة عدم الانتهاء من إعداد الأطروحة أو عدم رضا المشرف عن سير البحث يطرد الطالب رغم أن الدراسة بمقابل. أما في الجزائر فقد تدوم عملية إعداد الدكتوراه لأكثر من عقد أحيانا وأن الوزارة تحدد آجالا لمناقشة الأطروحات ويتم بعد ذلك التمديد تلو التمديد تلو التمديد ليصل الأمر إلى عدّة سنوات. وهو تساهل يؤدي إلى التهاون. إن أهم معيار في موضوع الدكتوراه في بريطانيا مثلا هي المساهمات العلمية ويحاسب الطالب على ما هو جديد في هذه الأطروحة. وفي غياب أي مساهمة توضع نهاية لتسجيل الطالب ويطرد في منتصف الطريق. وعند الوصول إلى مرحلة المناقشة نجد أنها تتم في مكتب المشرف وتنحصر في الطالب والمشرف إلى جانب ممتحن خارجي من جامعة أخرى. وعند مناقشة أطروحة الدكتوراه في بريطانيا فهناك عدة احتمالات لنتائج المناقشة. 1. النجاح مباشرة وهي حالات قليلة الحدوث. 2. مطالبة الطالب بالتعديل دون أخذ قرار حول النتيجة النهائية التي لا تحدّد إلاّ بعد إجراء التعديلات والموافقة عليها من طرف الممتحن الخارجي. 3. يمنح الطالب درجة أقل كأن يمنح درجة ماستر عن العمل الذي أنجزه عوض الدكتوراه. 4. قد لا يمنح أي شيء إذا كان العمل دون المستوى. وبالتالي فإن الذي يحصل على شهادة دكتوراه من جامعة بريطانية هو دكتور بمعنى الكلمة. مقابل ذلك نجد مناقشة الدكتوراه في الجامعة الجزائرية فالنجاح مضمون وبدرجة مشرف جدّا وأن الطالب يحجز المطعم للاحتفال بنجاحه ويأتي بالحلويات والمبردات حتى قبل دخول قاعة المناقشة فهو متأكد وهو يغضب إذا لم يمنح درجة مشرف جدا ويكون ذلك رغم انتقادات لجنة المناقشة للعمل المنجز. أما عن احترام الوقت نجد الجامعة في بريطانيا تغلق يومين في السنة فقط. يوم عيد ميلاد المسيح Chrismas / Noël وعيد الفصح Easter / Les Pâques بينما في الأيام الأخرى الجامعات مفتوحة والمكبات الجامعية مفتوحة بما في ذلك أيام الأحد. كما أن مركز الحاسوب Computing center فيبقى مفتوحا يوميا حتى منتصف الليل ويكون مملوءا بالطلبة الباحثين. أما في الصيف فتعرف الجامعة نشاطا كبيرا حيث يتم تدريب عمال مؤسسات اقتصادية بمقابل لصالح الجامعة وتنظم الملتقيات العلمية. بينما تعرف الجامعة الجزائرية عطلة طويل تتجاوز الشهرين. وفيما يخص المكتبات الجامعية فحتى قبل أن يتطور الإنترنت والكتب الإلكترونية كان هناك نظام الإعارة الخارجية ويكفي الطالب ملء بطاقة يتركها في المكتبة الجامعية لكي يأتوه بنسخة مصورة من البحث إذا كان منشورا بمجلة أو الكتاب كاملا من خلال نظام الإعارة الخارجية للمكتبة. وبشأنالهياكل لكل طالب دكتوراه مكتب قد يشاركه فيه طالب أو طالبان وتمنح له كل التسهيلات. بينما في الجامعة الجزائرية ففي بعض الكليات (كلية العلوم الاجتماعية بجامعة وهران 2 مثلا لا يوجد بها مكتب لأستاذ يستقبل فيه الطلبة الذين يشرف عليهم وأن الإشراف على الطلبة عادة ما يتم في ظل ظروف غير مناسبة فكيف يمكن رفع مستوى التكوين؟. أكيد أن هذه الظاهرة لا تنطبق على كل الجامعات إلا أنها موجودة ولا مجال لنكرانها. كما أن بعض الجامعات الجزائرية لا تزال تعاني من مشكلات النظافة والمراحيض ورجال الأمن وعاملات النظافة..إضافة للصراعات الدائمة مع الاتحادات الطلابية. إن كفاءات المتخرجين من الجامعة تجعل المؤسسات المُشغلة تنتقل سنويا في آخر السنة لاستقطاب الطلبة المتخرجين النجباء لأنهم دم جديد لصالح المؤسسة. فالمتخرجون يتميزون بجديتهم وصرامتهم وانضباطهم وكفاءاتهم وهي نتيجة تفتخر بها الجامعات وتساهم بذلك في التطوّر الاجتماعي والاقتصادي والحضاري. في حين نجد المتخرجين من الجامعة الجزائرية عبارة عن حاملي شهادات غالبا ما تنقصهم الجدية والصرامة والانضباط وهي خصائص عجزت الجامعة عن بثها عندهم. وبالتالي يصبح غالبيتهم بطالين ويطالبون بتوظيفهم كأساتذة. وهكذا تنتج الرداءة نفسها وهو ما يؤدي إلى مزيد من التخلف. قد تكون هذه النظرة سوداوية إلا تعكس واقع بعض الكليات والجامعات ولو أنه لا يمكن تعميمها. مع ذلك لا يمكن الاستهانة بإنجازات الجامعة الجزائرية وبالجهود التي بذلتها والنتائج التي حققتها لأن في ذلك جحود. إلا أن زمن الكمّ قد ولّى وعلى الجامعة الجزائرية أن تتجه إلى الكيف والنوعية وأن الطالب الجزائري والأستاذ الجزائري ليسا أقل ذكاء من غيره لكن يجب أ ن توفّر لهم الظروف المناسبة والإمكانيات الضرورية لأن الطلبة والأساتذة أنفسهم برهنوا عن كفاءاتهم وقدراتهم أصبحوا مبدعين كبارا نتيجة توفر الظروف المناسبة لهم. حتى تصبح الجامعة قاطرة للتنمية المستدامة يتحدث الساسة والاقتصاديون وعلماء الاجتماع والتربية أن للجامعة دورا كبيرا في التنمية المستدامة. لذلك فتحت الجامعات وسعى المسؤولون إلى توفير الشروط المادية لنجاحها ورصدت لها الأموال الطائلة لإنجاحها. وقد استقطبت عددا كبيرا من الطلبة والأساتذة والخبراء والإداريين. مع ذلك لم تتمكن من إحداث التنمية المرجوة ذلك أن الجامعة الجزائرية تعاني من نقائص مادية وتنظيمية متعددة أعاقت الجامعة عن تحقيق أهدافها المحددة لها. تتطرق هذه المداخلة إلى أهم العوائق التي تعترض الجامعة والتي تمنعها من تحقيق التنمية المستدامة. دور النظام التربوي في تدعيم ثقافة التسيّب: إن اعتماد الجزائر لسياسة أبوية في إدارة مؤسسات الدولة وإداراتها بل حتى مؤسساتها الاقتصادية عوامل ساهمت في بروز ونمو ثقافة التسيب. وقد بدأ ذلك من القطاع التربوي بكل مراحله من الابتدائي إلى الجامعي. وهكذا ظهرت قوانين رسمية تحدّد سقفا لسبة الفاشلين الذين يكررون السنة في التعليم الابتدائي والمتوسط لا يمكن تجاوزه. الشيء ذاته للتعليم الثانوي حيث استغلت الباكالوريا لتلميع صورة المنظومة التربوية وتضخيم عدد الناجحين والرفع من نسبهم. كما أن سياسة السيد بن بوزيد وزير التربية الوطنية السابق التي عاقبت – أو هدّدت بمعاقبة مديري الثانويات ومديريات التربية التي تسجل نتائج سيئة في الباكالوريا – أدت إلى السماح بالغش بل تشجيعه أحيانا بحيث أصبح يتم تحت مرأى الحراس في بعض المناطق وبعض الثانويات. تقريبا الشيء نفسه للتعليم العالي حيث يتم تشجيع انتقال الطلبة من سنة إلى أخرى وإنجاحهم من خلال اعتماد آليات معقدة وامتحانات متكررة من امتحان فصلي وامتحان شامل وامتحان استدراكي.. وكلّ ذلك في بيئة تتميز بالتساهل وإيجاد الحجج ومبررات فشل الطلبة وبالتالي التدخل لمساعدتهم. أما النّتيجة فهي الحصول على متخرجين من حملة الشهادات العليا والمهندسين والأطباء ومنهم من يصبحون إطارات مسيرة دون أن يتحكموا في الكفاءات الأساسية للقيام بعملهم بصورة حسنة مما ساهم في ظهور التسيب واستفحاله. من بين القطاعات المستهلكة لمبالغ كبيرة من الأموال نجد قطاع التعليم العالي. والشيء عينه فلا أحد ينكر أن منظومة التعليم العالي في الجزائر متخلفة في ترتبها مقارنة بالجامعات العالمية وأن النتائج المحصل عليها من طرق الجامعة الجزائرية أقل بكثير من الأموال التي تصرف عليها. ودليل ذلك ما نسمع فضائح الغش والسرقات العلمية في كل المستويات بما في ذلك مستوى الدكتوراه وحتى عند الأساتذة. وقد كشف الإعلام لجوء كثير من الأساتذة بل حتى بعض المسؤولين الإداريين بالجامعة إلى الغش وسرقة أعمال أساتذة آخرين ونسبها لهم من أجل الحصول على الترقيات. ولم تعد هذه الظاهرة حالة شاذة أو استثنائية بل أنها أصبحت تتوسع بشكل مخيف. وهنا ينطبق المثل العربي الشائع فاقد الشيء لا يعطيه . كما أن الجامعة تعتمد سياسة شعبوية وتحافظ على عدد كبير من الطلبة الفاشلين بحيث وحسب خبرتي الخاصة فإن الطلبة الجديين الذين لهم رغبة في الدراسة والذين لهم مستوى علمي مقبول لا يتجاوز50 بالمئة وخاصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. خاصة أن عددا كبيرا من الطلبة غير الأكفاء تحافظ عليهم الجامعة لسنوات داخل أسوار الجامعة ليتحولوا بطالين بعد ذلك لعدم كفاءتهم. وبالتالي فإن الحفاظ على هذا العدد الكبير من الطلبة في الجامعة الجزائرية وما يتطلبه ذلك من مصاريف هو تبذير وسوء تصرف في أموال الشعب. ضرورة الإصلاح لقد توسع التعليم العالي ولم يعد مقتصرا على مقرات الولايات والمدن الكبيرة بل توسعت إلى الدوائر. كما انقسمت غالبية الجامعات القديمة وبذلك تضاعف أعداد الجامعات. يستهلك التعليم العالي أموالا طائلة على الهياكل الجامعية وعلى الأساتذة وإداريي الجامعات وعلى الطلاب من حيث المأكل والإيواء والنقل وكل ذلك بأسعار رمزية. فسعر الأكلة في الجامعة بقي مستقرا منذ أكثر من 40 سنة وهو 1.40 دينار إضافة للمنح التي تقدم لغالبية الطلبة. ليس عيبا تسهيل ظروف دراسة الطلبة إلا أن هناك مبالغة في عدد الطلبة الذين تستقبلهم الجامعة وهناك تضخيم لعدد الطلبة الحاصلين سنويا على شهادة الباكالوريا وهناك الغش الممنهج من طرف الطلبة وأحيانا بتواطؤ الإدارة وغض النظر عما يقع. ذلك أن وزارة التربية في عهد بن بوزيد قررت معاقبة المؤسسات التي تحصل على نسب منخفضة في النجاح مما حتم على الإدارة اللجوء إلى غض النظر عن غش الطلبة الذين قد ينجحون بمعدلات مرتفعة على حساب الطلبة النجباء الذين يعتمدون على أنفسهم. كل هذه المظاهر أدت إلى انخفاض المستوى التحصيلي للطلبة وإلى ضعف أداء الجامعة وتضاعف المصاريف وتخريج إطارات جامعية دون المستوى المطلوب وتكون لذلك انعكاسات سلبية على الاقتصاد والتنمية والمجتمع كله. وبالتالي فإن الأموال المفرطة التي تنفق على الجامعة تؤدي إلى نتائج عكسية. إن التعليم العالي في الجزائر من أكبر استهلاكا لأموال الخزينة العامة للدولة في العالم مقارنة مع النتائج الهزيلة التي تحصل عليها..لذا يجب إدارة البعد المالي للجامعة بفعالية وعقلانية. يبدأ ذلك من خلال ضبط امتحان شهادة الباكالوريا وعدم تسييسها فهي اليوم مسيّسة كما أن كل شيء في الجزائر مسيّس. وأن عدد الطلبة الناجحين رسميا أعلى بكثير من الطلبة الذين يستحقون النجاح. وهو ما أدى إلى مزيد من الضغوط على الجامعة وتضاعف مصاريفها بسبب طلبة لا يستأهلون الدخول إلى الجامعة أصلا. كما أن بعض الطلبة يمضون جزءا كبيرا على مقاعد الدراسة إذ أن البعض منهم يقضون سنة أو سنتين في تخصص لينتقلوا بعد ذلك إلى تخصص آخر. وان الطلبة يقضون سنوات طويلة لتحضير الماستر أو الدكتوراه. فهناك آجال تحددها الوزارة إلا أنه يتم تمديدها سنويا وهي ممارسات بيروقراطية وتنجر عنها مصاريف مالية. يجب على الجامعة التخلي عن النموذج المركزي البيروقراطي في كل شيء حتى أصبحت الجامعة تدار كإدارة مثلها مثل البلدية الدائرة حيث كل شيء تقرره الوزارة. يمكن تبني النموذج البريطاني حيث أن الجامعة هيئة مستقلة لها مصادر تمويلها. إذ أن الجامعة تعتبر كمؤسسة اقتصادية ولها مختلف الاستثمارات المالية ولها عقود مع مختلف المؤسسات الاقتصادية. وأن هناك إمكانية طرد الطلبة الذين لا يلتزمون بالنظام الجامعي وأن مدة إعداد أي شهادة محددة ولا يمكن تجاوزها. إن الجامعة الجزائرية تحتاج إلى نظرة جديدة وممارسات جديدة وفلسفة تربوية جديدة من أجل تقليص النفقات ورفع مستوى أداء الجامعة مما يؤثر إيجابا على أداء الجامعة ومخرجاتها وتكون له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني كله لأن الجامعة الفعالة هي قاطرة التنمية في حين أن الجامعة الفاشلة تساهم في تدعيم التخلف والرداءة.