زولو دريس أكثر من نصف قرن في ابداع التحف النحاسية يعد الحرفي زولو دريس من النحاسين القلائل المتبقين بالجزائر العاصمة وعلى مر خمسين عاما من النشاط استطاع أن يبدع في النقش على النحاس بل ويحظى بنقشة خاصة به تماما كوالده الذي ساهم في تكوين العديد من نقاشي النحاس بالقصبة. في محله بدار الحرف التقليدية بواد قريش لا يمكن للزائر إلا أن يعجب بتلك المصنوعات النحاسية التقليدية الجميلة من سنيوات (صينيات) ومرايا و طاسات حمام تشد الزوار إليها وتحرك فيهم مشاعر الحنين وسط ديكور تقليدي لا يرى إلا عند كبار النحاسين. متحف صغير محله كمتحف صغير مزين بشتى أنواع النحاسيات التي جادت بها أنامله الذهبية وبعضها قطع فنية من إبداع والده يعود أقدمها للأربعينيات بالإضافة إلى تكريمات وتتويجات تحصل عليها من مختلف المسابقات والمعارض التي شارك بها والتي يعود أقدمها لعام 1972. ورغم بعد محله عن القصبة حيه القديم الذي تعلم فيه أبجديات هذه الحرفة إلا أنه لا يزال يتفنن في تحويل أقراصه النحاسية الحمراء والصفراء إلى تحف فنية ذات نقوش غاية في الجمال تستعمل في أغلبها للزينة والمناسبات. وبابتسامته العريضة ونظاراته التي تعكس تركيزه الحاذق والسنين الطويلة التي قضاها في رسم أشكال فنية على صفائح النحاس يدرك الزائر أنه أمام حرفي قصباجي استطاع بفضل مهارته في استعمال القرطة و الميجم في إنتاج قطع فنية بديعة والحفاظ على هذا التراث الذي ميز القصبة منذ العهد العثماني. عزيمة ونشاط ورغم أنه يقارب عقده السابع إلا أن عزيمته ونشاطه لا ينضبان يدردش ويحكي للزوار عن أسرار حرفته التي عشقها منذ كان صغيرا والتي تكاد تزول اليوم متحسرا في نبرة من الحزن والحنين على المصير الذي آلت إليه. أين قصبة زمان؟ يتساءل دريس متحسرا على وقت كانت فيه الأواني والديكورات النحاسية من سنيوات و طباسا العشاوات و لمراك و لمحابس و الطاسات من سمات الحياة الاجتماعية في هذا الحي العتيق. يعود دريس إلى الماضي القريب فيقول أن هذه المنتوجات كانت تصدر في السبعينيات إلى مختلف المدن الجزائرية كقسنطينة ووهران وتلمسان وأن بعضها كان يصدر حتى إلى خارج البلاد ك سني الجمل (صغيرة الحجم وتزين على الحائط) و سني فلوكة (خاصة بفناجين القهوة). حرفة متوارثة من مواليد عام 1954 بالعاصمة في عائلة تمتهن صناعة النحاس والسباكة أبا عن جد يعتبر دريس آخر الممتهنين لهذه الحرفة في عائلته وقد اكتسب خبرته من عمله الطويل في ورشة العائلة التي بالقصبة (انهارت في بداية التسعينيات كالعديد من بنايات القصبة التي تعود للعهد العثماني) والثانية التي ببوفريزي (باب الواد). وقد دخل هذا الحرفي عالم النقش على النحاس عام 1967 حيث تعلم على يد صديقه النحاس الراحل الهاشمي بن ميرة والذي تعلم بدوره على يد والد دريس محمد زولو في ورشة العائلة التي بالقصبة والتي صارت مع الوقت مدرسة حقيقية يتخرج منها النحاسون بحي زوج عيون ويلفت دريس إلى أن حبه لمهنته ظل يكبر مع الوقت وطيلة أكثر من خمسين عاما ليستطيع أخيرا الخروج بنقشة خاصة به على غرار نقشة لعروق التي اشتهر بها والده. ويوضح هذا الفنان أن القصبة لعبت دورا كبيرا في ترقية الحرف بالعاصمة ككل خصوصا في الفترة من نهاية الستينيات وإلى بداية الثمانينيات غير أنه يتأسف للتقهقر الحالي الذي أصابها داعيا إلى التوجه إلى الشباب من خلال القنوات التلفزيونية لجذبهم من جديد إلى هذا المجال. ويرى أيضا أن تراجع استعمال النحاس اليوم سببه حضور الآلات الكهرومنزلية والمنتجات البلاستيكية مضيفا أن كبره في السن جعله يتوقف عن إنتاج العديد من المنتجات التي تحت الطلب أو تلك التي تتطلب الجهد الكبير أو التي تحتاج للمسبكة. دعم الحرفيين ويدعو دريس السلطات إلى دعم الحرفيين بدار الحرف التقليدية بواد قريش من خلال خفض الإيجار مؤكدا أن الظروف الصحية التي تعرفها الجزائر منذ أكثر من عام قد شلت تقريبا نشاطهم خصوصا أنهم كحرفيين ملتزمون بدفتر شروط لا يسمح لهم بحرية مطلقة في النشاط التجاري ويصر هذا الحرفي على عدم مفارقة هذه الصنعة فرغم أنها لا تدر عليه بالمال الكثير إلا أن حبه لها أغناه عن كل شيء في وقت تركها فيه كثيرون أو رحلوا عن هذه الدنيا وهم يحملون حسرة ما آلت إليه كالهاشمي بن ميرة. على خطى الوالد يعد محمد زولو والد دريس من أبرز نقاشي النحاس الذين عرفتهم القصبة وقد كان له الفضل في نهاية الخمسينيات في تكوين أبرز النقاشين على النحاس ومنهم الهاشمي بن ميرة واحمد عالم والذين عملوا بدورهم على تكوين آخرين في الستينيات والسبعينيات. ويقول دريس أن والده بدأ النحاسة وهو صغير في بداية الأربعينيات حيث تعلم فن النقش التركي القديم (السرول) والنقش الدمشقي القديم ليفتتح بعدها محله الخاص بزوج عيون بالقصبة عام 1946 والدي استقطب بدوره الراغبين في التعلم منذ بداية الخمسينيات ويلفت في هذا السياق إلى أن والده كان يجبر المتعلمين على العمل اليدوي لحفظ مهنة اليد أو الصنعة التقليدية قبل الانتقال النهائي إلى استعمال المخرطة الآلية التي كانت قد دخلت هذا المجال بعد الحرب العالمية الثانية. ويؤكد دريس أن مهارة والده في مداعبة الصفائح النحاسية جعلته واحدا من أمهر النحاسين بالقصبة لدرجة أنه اشتهر بالعديد من القطع الخاصة ك سني بوفريزي وهي صينية بلا أي نقوش تعرف إلى اليوم بهذا الاسم أنتجها لأول مرة في ورشته المتواجدة بحي بوفريزي.