بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* تعرضنا في آخر مقال لنا عن معركة تحرير الوعي الإفريقية إلى فكرة التوسع النهضوي وأشرنا إلى أن هذا النوع من المعارك هو مفصلي وحاسم في تطوير البنى التحتية لأي دولة سائرة في طريقها نحو النمو أو لدولة رسمت لها معالما لتغيير المسار السياسي أو تصحيحه أو إضفاء تعديلات عليه بما يتوافق وصناعة دولة قوية تقرر لنفسها ما تراه الأنسب والأوفر حظا من أجل انبعاث حضاري يليق بصناعة الوعي الكامل والحقيقي بلا مناورات ولا تلفيق للأكاذيب ولا تزييف للحقائق وهو ما سعت اليه الدولة الجزائرية منذ الحراك الشعبي الذي نادى بإكمال مشوار التغيير الإيجابي الذي بدأه الشهداء البواسل على اثر ثورة تحريرية مظفرة صنعت النصف الأكبر والأوفر شمولية للتحرر والاستقلال ولاتزال المطالب مستمرة لتكملة ما تبقى لذلك فمعركة تحرير الوعي هدفها هو توضيح الرؤية المستقبلية لبناء الدولة الجديدة بكافة معطيات التحضر والتألق ولا شك أن مقالاتنا هذه مميزة وفريدة لأننا لم نعتمد على أي مرجع من المراجع المتاحة حاليا على الأنترنت أو في أمهات الكتب وانما اعتمدنا على أفكارنا الخاصة وواقع الحال من ايحاء نبض عقلنا الذي يتصور قيام الدولة القوية الحديثة. و ما يجب الإشارة اليه أن نجاح هذا النوع من المعركة يعتمد بالأساس على تغيير طريقة التعاطي مع الأفكار من طرف الشعب وكل من يملك حسا للمواطنة ويتفاعل معه بحسب قناعته ولكن بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون فتتحول بذلك المواطنة إلى مسرح لإفراغ الطاقة السلبية التي صنعتها الأخبار الكاذبة والأبواق الناعقة والتي لا تتوقف عن بث سمومها للتشكيك في مشوار التغيير الإيجابي الذي طالب به الشعب ورافقه وحماه الجيش وقيادته ..و هذا لا ينكره مشاهد للمشهد الأخير في مدى التناغم بين الشعب وأفراد الجيش في هبة شعبية احتضنت الأخوة والتآلف رغم كيد الكائدين ووجود من يصطادون في المستنقع العكر الذي لا تلتفت له النخبة والصفوة المختارة وهي تبدع وترسم معالم الدولة القوية . لا ينكر جزائري وجزائرية أن فرنسا كانت تعتبر الجزائر ملكية لها والجزائر اليوم بدأت تغير هذا الحلم النرجسي الذي لا ينطبق على مقولات الشهداء والمخلصين الذين ضحوا بالأمس من أجل تحرير الجزائر وتركوا لنا وصايا منها اعتبار فرنسا عدوة الأمس واليوم ومادام هذا هو كلامهم فانه لا ثقة في فرنسا ومن يدعمونها في الداخل فالجزائر اليوم تسعى لبناء الدولة القوية وأول من سيعرقل هذا المشروع هو فرنسا وهو ما بدى واضحا في الأعمال التخريبية الأخيرة التي شهدتها الجزائر من اشعال للغابات وتسميم الشواطئ وخنق الماشية بمواد سامة وضعت لهم في المشروب المائي بالإضافة إلى الأزمة الصحية الأخيرة وهي أزمة تذبذب توزيع الأكسجين والتي شهدته جل مستشفيات الوطن الا أدلة واضحة وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على رغبة عملاء فرنسا بالداخل على تنفيذ الأجندة الخارجية بإملاءات الوكالة التي لا تستند لتقنين قانوني وهو ما يجعلها تنشط في خلايا مندسة في دواليب الدولة. ان العالمية اليوم تشترط شروطا جوهرية لتحقيقها منها ايجازا وباهتمام بالغ: *ضرورة احداث القطيعة مع فرنسا ولكل ما يتصل بها بدءا بغلق سفارتها بالجزائر وصولا إلى اقالة وانهاء مهام كل من يشكك في نزاهته ووطنيته وانتمائه الحقيقي للوطن روحا وحبا واخلاصا. *ضرورة مراجعة قوانين الدولة التي تسير المؤسسات والهياكل الوطنية بما يضمن السلامة والاستقرار للسير الحسن ومراقبة محاولات التشويش التي يمكن أن تطالها نظرا لما فتحته الجريمة السيبرانية من فرص لاستغلال الفضاء الأزرق وغيره لنشر الفتن والتقليل من المصداقية ومحاولات بث روح اليأس وذلك بالسعي التقليل من هيبة الدولة وهو ما لم تشهده الجزائر من قبل وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن الأعداء لا يروقهم أن يروا الجزائر تصنع الفارق في العالمية بمعركة تحرير الوعي وفي كل القطاعات وخاصة قطاع الصحة والجيش لما يتطلبه من تحديث للبنى التحتية لهذين القطاعين الحساسين فالعالم اليوم يشهد حربا بيولوجية وسيبرانية لإعادة ترتيب النظام العالمي للدولة التي لديها اقتصاد قوي وتكنولوجيا عالية الجودة وتقنية مرتفعة التكلفة في التطوير ولكن الجزائر تفطنت لهذا التحديث العالمي وبادرت بإيجاد الحلول منها تشكيل قطب لمحاربة الجريمة السيبرانية وهو مسعى نثمن عليه على أن يحظى بتوابع آليات قانونية صارمة تمنع محاولات التجسس بالبرامج المخادعة والموجهة للدول التي هي في طريق التفكك من تبعية التخلف والجزائر سيكون لها البرهان ميدانيا في المجال الأمني السيبراني والغذائي والصحي ولكن بشرط تكثيف الجهود التي يجب على الإطارات الجزائرية المتخصصة اعتمادها في أبحاثهم ونظرياتهم واطروحاتهم العلمية. *منح فرص التسيير في الإدارات ومؤسسات الدولة لمن يملكون النزاهة والوطنية والخبرة والتفاني في العمل والاستقامة الأخلاقية بأخلفة العمل وتمتين النظرة المستقبلية بمنجزات أكاديمية وليس الاكتفاء بمرد طرح الأفكار بطريقة عشوائية فالعالمية لا تقبل الخطابات الشعبوية ولا الأطروحات العشوائية لأن الرهانات مبنية على قواعد علمية متطورة وأخلاقية في الحفاظ على من له الحق في الإنتاج والاختراع. *ان الانتقال من مجال معركة تحرير الوعي الإفريقية إلى مجال العالمية يتطلب تحسين علاقات الجوار وفرض الاحترام السياسي المتخلق باحترام خصوصيات الدول الأخرى وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها وهو ما حرصت عليه الجزائر منذ قديم الزمان فنالت الاحترام وحظيت بالمشورة إزاء النزاعات الإفريقية وهو عامل مشجع لأن تستمر على نفس النسق مع فتح قنوات الاتصال العالمية لتوصيل فكرة التغيير الإيجابي للعامل كله بالتحفظ دائما في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير ويتجلى ذلك باحترام المواثيق والمعاهدات الدولية والتعاون في كل ما من شأنه مساعدة الدول على ضمان أمنها واستقرارها الوطني والإفريقي وحتى العالمي اما الدول المشكوك في نواياها فيجب الحذر. *ان العالمية اليوم تحتاج للحنكة والصبر والخبرة السياسية والتجديد من حين لآخر في معطيات الاقبال على إيجاد آليات التحديث سواء بالقوانين أو بالمشاريع أو باستحداث فصول جديدة من الكينونة المادية والمؤسساتية التي لم تكن موجودة من قبل. *ان فكرة أو أجندة مكافحة الإرهاب صارت اليوم بحاجة إلى تغيير في مضمون العملية نظرا لما صار يهدد العالم اليوم من إرهاب جديد بحلية خفية متمثل في انتشار الأوبئة والفايروسات والتي صارت أشد فتكا وتهديدا للبشرية لأن الإرهاب كعدو يمكن التعرف عليه ومحاربته تلقائيا ولكن الفايروسات لا يمكن مشاهدتها او معرفة وقت انتشارها وحجم التهديد الذي تشكله على المواطنين ومصدر انبعاثها وعليه فان معركة تحرير العالمية تضفي بإشارتها إلى ضرورة مواكبة التغيرات العالمية الحاصلة اليوم بكثير من الخبرة والحنكة العلمية وليس السياسية كدرجة أولى لأن العلم اليوم هو ما سيعول عليه في خوض هذا النوع من المعارك المميزة والسياسة هي لتمثيل الأفكار والمشاريع والاستراتيجيات الرؤى الاستباقية وتمثيلها سياديا فهي تمنح للدولة الظفر المميز والرائد لمن يكتشف أولا ويحلل أكثر ويصل للحقيقة بأقل مدة زمنية وهو ما سيجعل من الجزائر في مجال الصحة منبع رهان مستقبلي سيحظى بكثير من الاحترام ان وضع الساسة الجزائريون ثقتهم في علمائهم ومختصيهم الوطنيين بالدرجة الأولى لأن جهودهم ستكون ولاء لله وللوطن وليس للشهرة أو لمحالة البروز من أجل البروز فقط فمصلحة الوطن فوق كل المصالح في فكر الوطنيين والشرفاء الذي احييهم من هذه الأسطر المتواضعة . نعول على الجزائر في خوض معركة تحرير الوعي العالمية التي لا بد أن تبتدأ بفهم حركية الجائحة التي ضربت العالم لتتمكن من التحرر من قيود التبعية للاقتصاد والفكر وتقرير المصير..و يأتي تفصيل آليات شرح معركة تحرير الوعي العالمية بعد تحقيق نتائج معركة تحرير الوعي الإفريقية بفرض التوسع المشروع والشرعي للسيادة الجزائرية القانونية الدولية طبعا بالعمل الجاد والدؤوب دون تجاوز للحدود ولا تدخل في الشؤون مع ضرورة غلق كل باب يأتي منه ريح للتغليط أو لضرب الاستقرار بدواعي الجوار أو الأخوة فالأخوة محفوظة في القلب واللسان وما يخالف ثوابت الأمة الجزائرية فلا فائدة منه ترجى مثل قضية التطبيع التي هرولت لها الكثير من الدول فهذا يجعل التخوف واجب على الحدود وتحت الأرض وفي السماء لأن القضية الجوهرية من معركة تحرير الوعي العالمية هي التقدم والتطور بخطى مدروسة وحذرة ومخطط لها مسبقا وبآليات قانونية تحفظ العلاقات ولا توترها وتمدد أواصر الأخوة ولا تفسدها..و الجزائر لها النظرة البعدية والحنكة السياسية فهي دائما تتريث في اتخاذ قراراتها فيما يخص الرد على العدو الخارجي على الرغم من أن التجاوز يأتي منه وليس منها اما الداخلي فتكتفي الدولة بالمراقبة والتتبع لحين الحصول على أدلة التجاوزات ومن ثم تطبيق القانون كما ينبغي ويتخذ مجراه خارج الخريطة الجزائرية وهو ما نشاهده من عملية تسليم المطالبين للعدالة وهو مسعى نشكر الدولة عليه لأنه يحفز ثقة المواطن. متفائلون لخوض هذا النوع من المعارك المصيرية والتي بدأت بأفكار وستتضح على صورة تقدم ونهضة وتطور ورقي وأخيرا ريادة بإذن الله تعالى..