في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء السابع والثمانون- بقلم: الطيب بن ابراهيم *البابا بيوس الحادي عشر أوصي المنصّرين بالتكيف مع السكان البابا بيوس الحادي عشر pie XI 1857 – 1939 : الاسم الحقيقي للبابا بيوس الحادي عشر هو آشيل راتي إيطالي الجنسية ولد بإحدى القرى المجاورة لمدينة ميلانو الإيطالية بتاريخ 31 ماي سنة 1857 ودخل الاكليريكية الدينة مبكرا في سن العاشرة من عمره وانتسب لاحقا للجامعة الغريغورية في روما ونال منها الدكتوراه في اللاهوت والفلسفة ثم عين أستاذا في إكليريكية ميلانو وبالإضافة للغته الإيطالية كان يتقن اللغة الألمانية والعبرية عينه البابا بندكت الخامس عشر مديرا لمكتبة الفاتيكان سنة 1914 ثم عينه سفيرا رسوليا في بولندا سنة 1918 ثم تم تعينه رئيسا لأساقفة وارسو وفي سنة 1921 أصبح كاردينالا ورئيسا لأساقفة ميلانو وبعد ثمانية اشهر فقط أصبح بابا للكنيسة بتاريخ 6 فبراير سنة 1922 وهذا بعد وفاة البابا بندكت الخامس عشر. البابا بيو الحادي عشر هو رقم 259 في ترتيب سلم الباباوات تزعم الفاتيكان من سنة 1922 إلى غاية وفاته سنة 1939 ومن اشهر إنجازاته السياسية توقيعه اتفاقية لاتران مع الدولة الإيطالية وبموجب تلك الاتفاقية وجدت دولة الفاتيكان بشكلها الحالي وفي عهد البابا بيوس الحادي عشر وبمباركته تأسست وكالة فيدس الإخبارية سنة 1927 وهي أول وكالة تنصيرية تابعة للكنيسة تطورت لاحقا حتى أصبحت من اهم الوكالات الإخبارية في العالم ومن اهم ما انتقد عليه البابا سياسيا هو علاقاته مع الزعيم الإيطالي موسوليني وزعيم المانيا النازية هتلر!. كل الأحداث المثيرة لإرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض وكل مغامرات رئيسها تمت في عهد البابا بيوس الحادي عشر بل في عهد هذا البابا تأسست أول إرسالية في العالم تابعة لتلامذة شارل دي فوكو بمدينة الأبيض سيدي الشيخ والتي وُضِع مشروع تأسيسها منذ سنة 1926 بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة لمقتل شارل دي فوكو بالصحراء الجزائرية سنة 1916 وكان البابا شخصيا هو من أعطى الموافقة لتأسيسها بعد استقباله لرئيسها في شهر سبتمبر سنة 1931 حيث كان هذا البابا معجبا بشخصية شارل دي فوكو وبتضحياته من أجل الكنيسة وفي عهد هذا البابا أيضا تم إنجاز أول فيلم حول شخصية الأب شارل دي فوكو في الجزائر بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته سنة 1936 لذا يمكن القول أن البابا بيوس الحادي عشر هو من أعاد الاعتبار لشارل دي فوكو من خلال تأسيس إرساليات تابعة لفكره ومن خلال فيلم قام بالدعاية له. عندما حل الأب روني فوايوم برفقة زملائه القساوسة الأربعة الآخرين بمدينة الأبيض سيدي الشيخ سنة 1933 من أجل تأسيس إرساليتهم صاحبة أول تجربة تنصيرية في التاريخ الفريدة من نوعها يقول رئيس الإرسالية كان هؤلاء القساوسة يحملون معهم ما كانوا يسمونه ب القاعدة المؤقتة le règlement provisoire وكانوا يتبعون التوجيهات التي أعطاها البابا بيوس الحادي عشر للمنصرين والتي تدعوهم للتكيف مع عادات وتقاليد السكان الذين يعيشون بينهم ويتبنونها وكأنها عاداتهم وتقاليدهم الأصلية. كانت دعوة البابا منصري الكنيسة حول العالم إلى التكيف مع عادات وتقاليد السكان والشعوب التي يعيشون بينها وينشطون في أراضيها كانت دعوة عامة ولم تتحدث عن التكيف بالدقة والتفاصيل ولم تحدد مجالاته ولم تحدد له خطوطا حمراء وتركت الخيارات مفتوحة لاجتهاد المنصرين الميدانيين أنفسهم وهذا ما جعل قساوسة إرسالية إخوة يسوع بمدينة الأبيض سيدي الشيخ يذهب بهم اجتهادهم في التكيف مع السكان إلى أبعد الحدود وربما إلى أبعد ما لم يتصوره البابا نفسه فخيارات إرسالية الأبيض لم تكن تكيفا لعادات وتقاليد السكان الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية بل ذهبت لأبعد من ذلك إلى التكيف الديني مع الشعائر الإسلامية من حيث المظاهر والممارسة واللغة ك الأذان والصلاة باللغة العربية والسجود على الجبهة والكفين والقدمين... وفي زيارة ثانية من طرف الأب روني فوايوم رئيس إرسالية الأبيض إلى بابا الفاتيكان بيوس الحادي عشر سنة 1935 طلب رئيس الإرسالية من البابا شيئين حسب رواية الأب أنطوان جياكوبتي : الطلب الأول أن يسمح له بتحويل إرساليته لإرسالية تنصيرية؟!.. وثانيا طلب بأن يُؤذن لكنيسته في نهاية صلاتهم بتبني باللغة العربية وقراءة نغمات القران واستبدالها بالمزامير اللاتينية. لأن الأب فوايوم رئيس إرسالية الأبيض سيدي الشيخ كان يؤمن بأن التكيف الحقيقي في العالم الإسلامي يجب أن يكون تكيفا مع الإسلام نفسه وبدون ذلك لا يمكن فهم ذهنية المسلمين فالثقافة الإسلامية انعكست على حياتهم العامة والخاصة ومع ذلك لم يذكر لنا الراوي الأب جياكوبتي معارضة البابا لفكرة رئيس الإرسالية ومغامراته بل ذَكّره البابا بأن الأهم هو النتائج: Labourez Labourez répondit Le Pape nous verrons à La moisson . يتبع...