تناقلت وكلاء الأنباء مؤخراً أن الداعية السعودية مضاوي الطشلان أمت النساء المصليات في صلاتي العشاء والتراويح جماعة، وتعد هذه الحادثة هي الأولى في تاريخ السعودية، وكان ذلك بتنظيم القسم النسوي بالهيئة العالمية للتعريف بالإسلام، حيث نظم برنامجاً وفعاليات وإفطاراً جماعياً للجاليات المسلمة، فهل إمامة المرأة للنساء صحيحة، وهل يجوز أن تترك النساء المسجد ويصلين وحدهن جماعة؟ * يجيب الدكتور مسعود صبري الباحث في المركز العالمي للوسطية بالقول: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على جواز إمامة المرأة للنساء، سواء أكان ذلك في صلاة الفريضة أو النافلة، ومنها التراويح، وإن كان الأحناف يرون مع الجواز الكراهة. وعند المالكية لا يجوز للمرأة إمامة النساء، لا في فرض ولا في نفل. وقد نقل الإمام ابن قدامة الخلاف في المسألة فقال: "اختلفت الرواية: هل يستحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة؟ فروي أن ذلك مستحب، وممن روي عنه أن المرأة تؤم النساء: عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وروي عن أحمد رحمه الله: أنه مستحب. وكرهه أصحاب الرأي. وإن فعلت أجزأهن، وقال الشعبي والنخعي وقتادة: لهن ذلك في التطوع دون المكتوبة". واستدل جمهور الفقهاء بحديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري، وكانت قد جمعت القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها. رواه أحمد. واستدل المالكية بأنه من شروط الإمامة الذكورة. والراجح في المسألة أنه يجوز للمرأة أن تؤم النساء في صلاة الفريضة والنافلة، لكن تقف وسطهن لا أمامهن كما هو الحال في إمامة الرجل. والدليل على ذلك ما يلي: حديث أم ورقة – رضي الله تعالى عنها- وإذن النبي صلى الله عليه وسلم لها بأن تؤم أهل بيتها. بل الراجح هو استحباب ذلك، ودليله حديث رائطة الحنفية قالت: "أمتنا عائشة فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة"، ومنها حديث حجيرة قالت: "أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا" رواهما الدارقطني والبيهقي، قال الإمام النووي بإسنادين صحيحين. أما منع المالكية لأن من شروط الإمامة في الصلاة الذكورة، فيحمل هذا على صلاة الفريضة في وجود رجل، لحديث: "لا تؤمن امرأة رجلا". كما أن المقصود من منع المرأة الرجال في الصلاة هو الافتنان، فإن هذا غير موجود في إمامتها لبنات جنسها. كما يستدل على ذلك أن من الفقهاء من أجاز إمامة المرأة للرجل في صلاة النافلة إن كانت أقرأ منه، ولا نقول به، لكن يفاد منه أن تكون إمامتها للنساء في صلاة العشاء والتراويح أولى. وهو ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنابلة ،وبعض فقهاء الشافعية ، وخصصها بعضهم في التراويح دون غيرها . بل صرح البعض بتخصيص جواز إمامتها في صلاة التراويح، قال الصنعاني "وأجاز الطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن ، وحجتهم حديث أم ورقة ويحملون هذا النهي على التنزيه أو يقولون الحديث ضعيف". إذا قلنا هذا، فإن ترك النساء الصلاة في المسجد، واجتماعهن في أحد البيوت أو الأماكن، وصلاتهن جماعة بإمامة إحداهن جائزة، بل صلاتهن صلاة التراويح في غير المسجد أولى؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن". كما أن اجتماع النساء لبعض أعمال البر والخير، كما الشأن في مثل الحادثة المسئول عنها، هو من الخير الذي يحث الشرع عليه، ولا يكون ذلك مانعا من الاجتماع على الصلاة؛ لأنه من الاجتماع على الخير والتعاون عليه، وقد قال سبحانه "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة:2) والقول بجواز إمامة المرأة للنساء، هو ما اختاره عدد من الفقهاء المعاصرين، منهم الشيخ ابن باز حيث قال: "اذا تيسر من يأم النساء فهو أفضل ليتعلمن ويستفدن وتكون وسطهن، عن يمينها وعن شمالها لا تتقدم بل تكون وسطهن عن يمينها قوم وعن شمالها قوم، ترفع صوتها بالقراءة حتى يستفيدوا في المغرب والعشاء والفجر كالرجل، وتعظهن إذا تيسر ذلك وتذكرهن وتعلمهن بعد الصلاة أو قبل الصلاة، وهن عن يمينها وشمالها وخلفها، ويخترن أفضلهن أقرؤهن وأفضلهن وإن صلت كل واحدة وحدها فلا حرج". كما استحبه الدكتور يوسف القرضاوي، وساق أحاديث إمامة عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما- للنساء، ثم عقب قائلا: "فليت أخواتنا المتحمسات لحقوق المرأة: يحيين السنة التي ماتت -من صلاة المرأة بالنساء- بدل إحداث هذه البدعة المنكرة: صلاة المرأة بالرجال". والخلاصة أن إمامة المرأة للنساء في صلاة التراويح من الأمور المستحبة، ولها أدلتها القولية والفعلية القوية التي تدعمها.