بقلم: عبد الباقي صلاي* كثر الحديث عن الذكاء الاصطناعي بشكل لافت وبتأكيد يكاد أن يكون مرضي خلال السنوات الأخيرة وقد تزايد الحديث عنه بشكل مثير للانتباه خلال جائحة كورونا ونزوع العالم بأكمله نحو تفعيل التحاضر عن بعد عبر وسائط اجتماعية استطاعت أن تفرض وجودها كخيار حتمي للمرحلة القادمة وكدعم أكبر لما سمي بالذكاء الاصطناعي. في علم الحاسبات يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) إلى أي ذكاء شبيه بالإنسان يتم عرضه بواسطة الكمبيوتر أو الروبوت أو أي جهاز آخر. وتعريف الذكاء الاصطناعي الشائع يشير إلى قدرة الحاسوب أو الآلات على محاكاة قدرات العقل البشري والتعلم من الأمثلة والتجارب والتعرف على الأشياء وتعلم اللغة والاستجابة لها واتخاذ القرارات وحل المشكلات والجمع بين هذه القدرات وغيرها. ويفترض بهذه القدرات أن تؤهل الحاسوب أو أي جهاز آلي لتأدية وظائف يقوم بها الانسان مثل استقبال نزيل في فندق أو قيادة السيارة. وبعبارة أخرى الذكاء الاصطناعي هو مزيج من العديد من التقنيات المختلفة التي تمكن الآلات من الفهم والتصرف والتعلم بذكاء يشبه الإنسان. وقد استند هذا النظام العلمي أساسا كما يجمع عليه العارفون إلى افتراض أن جميع الوظائف المعرفية ولا سيما التعلّم والاستدلال والحساب والإدراك والحفظ في الذاكرة وحتى الاكتشاف العلمي أو الإبداع الفني قابلة لوصف دقيق لدرجة أنه يمكن برمجة جهاز كمبيوتر لاستِنساخها. ومنذ وجود الذكاء الاصطناعي أي منذ أكثر من ستين سنة ليس هناك ما يفند أو يثبت بشكل قاطع هذه الفرضية التي لا تزال مفتوحة وخصبة في آن واحد. إن العالم اليوم وبخاصة المتحضر قد سار شوطا كبيرا في هذا المجال وعرف أسرار هذا المطلب الذي أضحى مع مرور الوقت كما تقدم مطلبا ملحا ولو على علاته وعلى ما يحمله من تداعيات خطيرة على الجموع البشرية في المستقبل البعيد على الأقل. يقول الدكتور عمر حتاملة مؤلف كتاب بين العقول Between Brains: إن المستقبل يحتم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي إذ سيتطور التعليم مستقبلا لتتم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحديد تعليم كل شخص على حدة وفقا لدرجة استيعابه وهذا سيسرع من عملية التعليم ويختصر الوقت والجهد.كما أن الجامعات بدأت بالفعل تطبق الذكاء الاصطناعي عبر تحديد مستوى تركيز وقابلية الطلاب أثناء المحاضرات وبالتالي يتم تعديل المحتوى بالشكل الذي يزيد استفادة وتركيز الطلاب . لكن ما محل عالمنا العربي المتخلف في التكنولوجيا من بناء صرح تعليمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي فهل سيقوم بثورة تكنولوجية مفاجئة بعد غياب لعقود طويلة عن عالم العلم والمعرفة أم كيف يدخل حلبة العلوم والمعارف دونما سلاح قوي يمكنه على الأقل بناء ترساناته العلمية والحفاظ عليها من فيروسات هجومية مفاجئة.لأنه من غير المنطقي أن تستورد التكنولوجيا والمعارف وتوضع ضمن نسق مجتمعي لا يحسن التعامل معها وكيف يستفيد منها.لأن أدوات الذكاء الاصطناعي يجب أن تنطلق من المجتمع نفسه حتى يستطيع أن يتعامل معها وفق معطيات عديدة.كما يتوجب على أي مجتمع يريد التأقلم مع ما يتطلبه الذكاء الاصطناعي أن يكون ملما بالعلوم العصرية والمعارف المختلفة.وحتى لا نظلم الذكاء الاصطناعي كملجأ ضروري للحضارة المعاصرة يجب على الدول العربية أن تنتقل بسلاسة متكاملة نحو تبني التعليم المنتج وتبني العلوم التجريبية وتفعيل المخابر واحترام العقل الإنساني لتطوير المنتجات المعرفية ثم خلق جسور تلاقح مع المجتمعات الأخرى لتبني هذا المشروع الذي يصعب تبنيه في بيئة جاهلة بميكانزمات معرفية. لقد أشار عمر حتاملة إلى أن التعليم استفاد بشكل كبير بعد جائحة كورونا خاصة مع إلزامية التعليم عن بعد بالشكل الذي يحقق الراحة والمرونة للطلاب.كما أكد على أن الذكاء الاصطناعي سيساهم في ابتكار برامج تعليمية مخصصة لكل طالب والواقع الافتراضي سينقل الطالب إلى حقبات تاريخية ليختبرها بنفسه بدلا من قراءتها. مبينا أن المستقبل سيشهد جامعات ومدارس في الميتافيرس ستدرس برامج كاملة خلال 10 سنوات والتركيز اليوم بشكل أكبر على المهارات بدلا من الشهادات والمناهج الدراسية لا تواكب التغير السريع في المهارات التي تطلبها الشركات الخاصة . ما يؤكد عليه صاحب كتاب بين العقول يدخل ضمن ما يمكن أن يفرضه نظام الذكاء الاصطناعي وما يعرف عنه بشكل علمي صرف.لكن الإشكالية الكبرى التي نود مناقشتها بتؤدة كبيرة أيضا.كيف نستفيد نحن كمسلمين من هذا التوجه العالمي الذي بدأ يغزو العالم بشكل لافت.وما قدرتنا الحقيقية في دخول هذا المعترك الحضاري ونحن صفر اليدين من كل علم حقيقي وعلوم لنا عليها ملكية خاصة.لا يمكن التغاضي عما تطرحه الحقائق العلمية ويجب مجابهة الواقع بصراحة كاملة وعقل متدبر.كون العرب والمسلمين ليسوا على أهبة الاستعداد لدخول معركة الذكاء الاصطناعي والمعاناة الكبرى هي في تطوير علوم قديمة فقط.كما أن العالم العربي المسلم ما يزال مع العلوم التجريدية التي تعتمد وتستند على الأرقام المجردة والنظريات الجوفاء التي لا تحرك فكرا ولا تدفع عقلا نحو التحليل والتمحيص. نحن لا نزرع اليأس في طريق تبني الذكاء الاصطناعي ولكن نحن نرغب أن يفقه الآخرون أننا أمة عرجاء علميا متخلفة حتى في السرقات العلمية وتطبيقاتها.ولسنا مهيئين ثقافيا فقط لتقبل أن يكون الذكاء الاصطناعي في كل شيء في حياتنا. نحن أمة ينقصها العلم والمعرفة وهذا يجب التأكيد عليه.وانطلاقنا يجب أن يبدأ من تصحيح المسيرة العلمية من الابتدائي للجامعة فضلا عن تصحيح مفاهيم كثيرة حول التعليم والثقافة والخطاب الديني.دورنا في المستقبل كأمة مسلمة استمرأت القعود والكسل العقلي أن تنهض وبفزع كبير لتعرف حقيقة نفسها وأين موقعها من الخريطة العالمية لأن الذكاء الاصطناعي وإن كان يبني أمما متحضرة خلاقة لهذا المصطلح ذاته فإنّ أمتنا العربية والمسلمة يكفيها إما التفرج على الأمم الأخرى وهي تمارس الحضارة أو الانخراط الحقيقي في لب الحضارة وهذا يتطلب جهودا جبارة.