مضت أكثر أيام العمل ولم يبق منه إلا القليل، وفي الختام يكرم المرء أو يهان، بعد يومين ستعلن النتائج وستحصد الجوائز، فالفائز من دخل أبواب الجنة التي فتحت له وقطف من ثمارها اليانعة وشرب من أنهارها واستظل بظلالها، فغفرت ذنوبه وأعتقت رقبته ونال الرضا والرحمة. لقد كان السابقون أحرص الناس في الالتفات إلى قبول العمل تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: (لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) “الترمذي”. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: “كونوا لقبول العمل أشد اهتماماًَ منكم بالعمل”، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). قال ابن رجب: “السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين قال الله عنهم: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) وكان بعضهم يقول عند رحيل الشهر: (من هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك). وقد ذكر العلماء علامات لقبول العمل من أبرزها إتباع الحسنة بالحسنة، والثبات على الطاعات بعد رمضان. فيا من قصَّر في هذا الشهر الفضيل ويا من لم يؤثر به شهر الصيام فلم يكن من المتقين يقول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) “الحديد”. ولكن لا يزال في الوقت بقية يقول الحق سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ). نسأل الله تعالى بمنه وفضله أن يتقبل منا طاعاتنا وأن يجعلنا من عتقائه ويغفر لنا ويرحمنا.