إدراج بنك التنمية المحلية في البورصة عملية إستراتيجية لرفع رأسمالها ودورها كحل تمويلي    فرنسا تتخبط في وضع اقتصادي ومالي "خطير للغاية"    جلسة علنية غدا الخميس لطرح أسئلة شفوية على عدد من أعضاء الحكومة    ادانة واسعة للهجوم "الارهابي" على مكتب منظمة "غلوبال أكشن" الداعمة للشعب الصحراوي    استمرارا تساقط الثلوج على عدد من ولايات وسط وشرق البلاد    حوادث المرور: وفاة 31 شخصا وإصابة 1346آخرون خلال أسبوع    كرة القدم/مونديال 2025: فتيات المنتخب الوطني يستأنفن التدريبات    مقرمان يستقبل رئيس جمعية الشعب الصيني للصداقة مع الدول الأجنبية    حركة "حماس": تصاعد عدوان الاحتلال الصهيوني على الضفة الغربية لن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني    انتخابات ألمانيا القادمة.. تحدي اليمين المتطرف    ترمب ومحاولة وضع اليد على مصادر طاقة جديدة    منصوري تجري بجوبا محادثات ثنائية مع كل من وزير الخارجية والتعاون الدولي ووزيرة الداخلية لجنوب السودان    مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية: سايحي يستقبل من قبل رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية    الأمم المتحدة: قوات الاحتلال الصهيوني تواصل الهجمات على ملاجئ النازحين في غزة    بلمهدي يزور بالبقاع المقدسة المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء الذين أكرمهم رئيس الجمهورية برحلة لأداء مناسك العمرة    فتح سوق حرة"Free shop" بمطار الجزائر الدولي مارس القادم    طرقات: تدخلات ميدانية متواصلة لفتح المحاور المغلقة جراء تراكم الثلوج    مولوجي تشيد بقرار الرئيس تبون القاضي بتمديد فترة عطلة الأمومة    فوج عمل لإعداد مشروعي قانوني للأحزاب والجمعيات    طرق وطنية وولائية مقطوعة بسبب تراكم الثلوج    تمديد فترة عطلة الأمومة ب14 أسبوعا    افتتاح الطبعة 11 للصالون الدولي للصناعات الغذائية    تخفيضات تصل 60% خلال موسم الاصطياف القادم    بلمهدي يوقّع بالسعودية على اتفاقية الحجّ لهذا الموسم    وقف إطلاق النار في غزة يدخل ساعة الحسم    تكريس المفهوم الحقيقي للممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب    استراتيجية وطنية لتطوير المناهج وتجويد التعليم    وزارة التربية الوطنية تنظم احتفالا وطنيا بمناسبة سبعينية الثورة التحريرية    فتح رأسمال بنك التنمية المحلية يندرج في إطار عصرنة القطاع المالي والنقدي    مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والمعارف بين البلدين    زكري مستعد للإطاحة بمحرز ونادي الأهلي السعودي    ليلة دامية في غزة..إسرائيل تزهق روح 23 فلسطينيًا رغم جهود الوساطة    16 مليار دينار لتدعيم التنمية المحلية    دورة تكوينية لأصحاب المشاريع المصغرة    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    عرض "أعصاب وأوتار" خلال رمضان المقبل    حكم مباراة يونغ أفريكانز يثير مخاوف إدارة مولودية الجزائر    آيت نوري أفضل مدافع في الدوري الإنجليزي الممتاز    بلمهدي يستقبل مسؤولين سعوديين مكلّفين بتنظيم موسم الحج    ملاكمة/ الجزائر: المجمع التقني الوطني يومي 7 و8 فبراير بالجزائر العاصمة    كأس الجزائر: الاتحادية الجزائرية تكشف عن برنامج الدور ثمن النهائي    النتائج تُعرف منتصف مارس    مادورو يدعم الشعب الصحراوي    وزير الثقافة يُعاينُ ترميم القصور التاريخية    تتويج الفائزين بجائزة الرئيس للأدب الأمازيغي    بوغالي يثمّن دور التنوع الثقافي في تعزيز الهوية    شباب قسنطينة يتأهّل    اتفاقية شراكة مع شركة نفطال    البارصا تُتوّج بالسوبر    "الشبيه" إدانة مباشرة للإنسان الآلة    تشديد على التباعد الاجتماعي لوقاية فعالة    "قصر تافيلالت" بغرداية ..من بين الفائزين بالجائزة الدولية للسكن    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    بلمهدي يستقبل بجدة مسؤولين سعوديين مكلفين بتنظيم موسم الحج    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل لليهود حق في فلسطين؟
نشر في أخبار اليوم يوم 05 - 11 - 2023


عادل مناع
إن دعوى اليهود بأن لهم حقًا تاريخيًا ودينيًا في فلسطين أمر طبيعي لا يثير الدهشة فهو ليس بشاذ عن أيديولوجية العقلية الصهيوينة ولكن ما يصنع مزيجًا من الأسى والدهشة والمخاوف: هو تأثر بعض أبناء المسلمين بهذه الدعوى وترديدها تولى كبرها بعض النخب من المفكرين وكتّاب التاريخ اتكاءً على بعض نصوص التوارة التي تصور اليهود أنهم ورثة الأنبياء ومن عهد إليهم إبراهيم بأرض فلسطين ومن ثم انخنست النظرة للعداء الصهيوني واحتلال فلسطين.
وتوهّم هؤلاء الكتّاب محورًا جديدًا يدور عليه الصراع بيننا وبين الصهاينة وهو السيادة المشتركة حيث يكون للفلسطينيين حق مشترك مع اليهود في هذا الإرث على اعتبار أن الطرفين العربي والإسرائيلي أبناء عمومة فهما من ولد إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم.
وفي ذلك يقول د. حسن صبري الخولي: يقرر الصهيونيون أن فلسطين هي الأرض التي وعدهم الله بها تأسيسًا على ما جاء في التوراة أن الله سبحانه وتعالى قد وعد إبراهيم عليه السلام وذريته من بعده أن يعطيه فلسطين لأنشاء دولة فيها واستشهد الدكتور بسفر التكوين 15 من 3-5: [لنسْلِك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات].
وعلق الدكتور بقوله: ونحن نسلم بما جاء في التوراه على أساس أنه كتاب مقدس من عند الله ولكننا لا نستطيع أن نجاري اليهود في تفسيرهم التعسفي لأن العهد الإلهي ليس موجهًا إلى اليهود وحدهم وإنما هو وعد لإبراهيم وذريته: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يتساوى في ذلك الحق إسحاق جد اليهود وإسماعيل جد العرب وعلى ذلك فالحق في فلسطين ليس مقصورًا على اليهود وإنما هو لذرية إبراهيم على الإطلاق ومن هذه الذرية العرب واليهود [سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين].
ونظرًا لرواج هذه النظرة العارية من صحة بُعديها الديني والتاريخي كانت ضرورة التوجه إلى أوساط المسلمين المختلفة ببيان زيف هذه الدعوى وننطلق في البداية من إشكالية واضحة لهذه الدعوى أثارها الدكتور/ يوسف القرضاوي في كتابه (القدس قضية كل مسلم) حيث قال الشيخ: قبل أن ندخل في مناقشة الحق المزعوم لليهود في فلسطين تود أن تسألهم: لماذا لم يظهر هذا الحق طوال القرون الماضية؟ بل لماذا لم يظهر في أول الأمر عند ظهور الصهيونية السياسية المنظمة على يد (هرتزل)؟ فمن المعروف أن فلسطين لم تكن هي المرشحة لتكون الوطن القومي لليهود بل رشحت عدة أقطار في أفريقيا وأمريكا الشمالية كذلك ولم تظهر فكرة فلسطين - باعتبارها أرض الميعاد- إلا بعد فترة من الزمن.
لقد حاول هرتزل الحصول على مكان في (موزمبيق) ثم في (الكنغو) البلجيكي. كذلك كان زملاؤه في إنشاء الحركة الصهيونية السياسية فقد كان ماكس نوردو يلقب بالإفريقي و حاييم وازيمان بالأوغندي كما رشحت (الأرجنتين) عام 1897 و(قبرص) عام 1901 و(سيناء) في 1902 ثم(أوغندا) مرة أخرى في 1903 بناء على اقتراح الحكومة البريطانية. وأصيب هرتزل بخيبة أمل كبيرة لأن اليهود في العالم لم ترق لهم فكرة دولة يهودية سياسية سواء لأسباب أيديولوجية أو لأنهم كانوا عديمي الرغبة في النزوح عن البلاد التي استقروا فيها.
بل إن مؤتمر الحاخامات الذي عقد في مدينة فيلادلفيا في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر أصدر بيانًا يقول: إن الرسالة الروحية التي يحملها اليهود تتنافى مع إقامة وحدة سياسية يهودية منفصلة! وإزاء هذا فكر هرتزل في طريقة يواجه بها هذا الوضع وهداه تفكيره إلى أن يحول الموضوع إلى قضية دينية يلهب بها عواطف جماهير اليهود.. ورأى أن فلسطين هي المكان الوحيد الذي يناسب هذه الدعوة الجديدة ولليهود بفلسطين علائق تاريخية ولهم فيها مقدسات دينية وارتفعت راية الدين على سارية المشروع والتهبت العواطف وانتصر رأي هرتزل وإن يكن بعد وفاته فقد احتضن المؤتمر اليهودي العالمي فكرة الوطن اليهودي في فلسطين عام 1905 بعد موته بسنة .
فمن ثم يتضح أن دعوى حق المواطنة لليهود في فلسطين هو اتجاه معاصر سارت فيه الصهيونية التي تهدف لتحويل اليهودية من ديانة إلى جنسية.
فإن تكلمنا عن حقهم التاريخي المزعوم فسنجد أن دعوتهم مردودة من حيث أقدمية السكنى والمواطنة حيث أن أول من سكن فلسطين هم (اليبوسيون) من بطون العرب الأوائل فأقدم اسم لبيت المقدس هو (يبوس) وله ذكر في توراتهم وورد في ألواح تل العمارنة بالمتحف المصري وشاركهم في سكناها الكنعانيون العرب ثم أطلق عليها (أورشالم) أو مدينة (شالم) معبود اليبوسيين ثم بعدها بقرون طويلة أتى إليها إبراهيم عليه السلام لأول مرة.
فالعرب إذن قد سكنوا فلسطين قبل إبراهيم الذي أتى من نسله اليهود- كما جاء من نسله العرب- فللعرب الأقدمية في السكنى فقد كانت مدة بقاء إبراهيم في فلسطين لم تزد على 100 سنة كان فيها غريبًا لم يملك شبرًا فيها ومدة بقاء إبراهيم وإسحاق ويعقوب فيها لحين خروج يعقوب إلى مصر مع ذريته وعددهم 70 لم تزد على 230 سنة لم يملكوا شيئًا منها.
ونحن بهذا القول ننفي فقط دعواهم بأسبقية السكنى مع علمنا بأنها لا تكفل حقًا وإلا لجاز لليهود الادعاء بأن (مصر) من حقهم دون المسلمين حيث أن اليهود قد سكنوها قبلهم ولكن هناك بعدٌ يُعد هو القول الفصل في إثبات الملكية وهو ما سيظهر من خلال السطور القادمة.
وأما استنادهم إلى أن الله قد عهد لإبراهيم وبنيه بهذه الأرض فلهم الحق فيها باعتبارهم ذرية إبراهيم فيجلعنا نتساءل: أو ليس إسماعيل عليه السلام وذريته من بني إبراهيم؟! فبمقتضى العدل لا بد وأن يكون هناك ما يفصل في النزاع ويمنح أحد الطرفين الأحقية في تلك الأرض وهو ما يتضح في تلك الحقائق:
أولًا:
من هم أبناء إبراهيم؟ هل هم مجرد النسل دون اعتبار الإيمان والسير على ملة إبراهيم؟ فهذا مردود حيث أن من حاد عن التوحيد الذي هو دين الأنبياء فليس من أبنائه كما قال الله لنوح عليه السلام عندما أرار أن يشفع لولده: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح } [هود/46] فبنو إبراهيم إذن هم الذين ظلوا على عهد الإيمان واتباع نهج إبراهيم.
وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال آخر: هل ظل اليهود على عهد الله؟ كل مسلم يعلم تمام العلم بمدى الانحراف الذي التزمه اليهود تجاه أمر الله فهم الذين عبدوا العجل وهم الذين قتلوا الأنبياء وهم الذين سبوا الله وأنبياءه وهم الذين حرفوا دينهم واشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا وهم الذين قالوا: عزير بن الله وهم الذين قالوا: قالوا نحن أبناء الله وهم الذين قالوا: يد الله مغلولة وهم الذين اتهموا لوطًا عليه السلام بأنه زنا بابنتيه وأن عيسى عليه السلام ولد زنا وقتلوا زكريا ويحيى ولم يتركوا جرمًا على وجه الأرض إلا ارتكبوه فهل يمكن القول بأن هؤلاء كانوا على عهد الله؟! إن الله تعالى يقول: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة/124] فهؤلاء بظلمهم ليس لهم عهد الله في امتلاك هذه الأرض وغيرها.
ثانيًا:
دين الأنبياء كلهم هو الإسلام وإن اختلفت الشرائع وقد أفاض القرآن البيان في ذلك كقوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران/67] وقوله عن يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف/101] وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران/19] وهو دين التوحيد الخالص فمن بقي على التوحيد الذي هو دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلى وسلم عليهم جميعًا.
فلما كان اليهود قبل التحريف على التوحيد كانوا هم الممثلين للإسلام فلما حرفوا دينهم لم يعودوا يمثلونه ثم كان النصارى قبل التحريف يمثلون الإسلام فلما حرفوا وبدلوا لم يعودوا يمثلونه ثم كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يؤمنون بجميع الكتب المنزلة وبجميع المرسلين هم الذين يمثلون الإسلام وهم أولى الناس بإبراهيم: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران/68] وبناء على ذلك ينطبق على هذه الأمة في تأكيد ملكيتها للأرض: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء/105] فوجود المسلمين فيها هو حق شرعي أبلج.
حكمة إلهية
وكان من حكمة الله تعالى أن أراد تأكيد هذا الحق للمسلمين في فلسطين أثناء رحلة الإسراء والمعراج فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعرج به من مكة إلى السماء مباشرة وإنما أسري به من مكة إلى القدس ليصلى هناك بإخوانه الأنبياء إمامًا فكانت صلاته بهم في المسجد الأقصى إيذانًا بانتقال الزعامة الدينية لطائفة استحقت السيادة لما تخلف اليهود عن مقومات استحقاقها وقد كانت هذه الحقيقة مستقرة في حس الصحابة رضي الله عنهم فنهضوا لاستلام مفاتيح القدس أيام الفاروق عمر ثم توجهت جهود نور الدين محمود بن زنكي لتحريرها من أيدي الصليبيبن حتى حررها صلاح الدين يوسف بن أيوب.
وأما فيما يختص بالمسجد الأقصى الذي يريد اليهود هدمه وإقامة الهيكل مكانه فقد بناه إبراهيم عليه السلام الذي لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن حنيفًا مسلمًا فبالتالي ينسحب عليه كل ما ذكرناه آنفًا من أنهم ليسوا ورثة إبراهيم عليه السلام وإنما ورثته هم أهل الإسلام أتباع الأنبياء.
وأخيرًا: فالرد على شبهة وجود حق تاريخي أو ديني لليهود في فلسطين لا نقصد به سوى أهل الإسلام الذين تأثروا بهذه الشبهة الرائجة وإلا لما خاطبناهم بكتاب الله عز وجل الذي لا يصلح الاستدلال به لمن لا يتخذه منهاجًا ودستورًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.