بقلم: الطيب بن إبراهيم صحيح أن الحرب خداع وصحيح أن الدعاية سلاح من أسلحة الحرب وصحيح أن عنصر المفاجأة سلاح فعال لكن الخداع والدعاية ليست سلاحا إلى الأبد وأن ورقة التوت لن تبقى بدون سقوط إلى الأبد وأن السلاح وحده مهما كان نوعه وحجمه بدون صاحبه لا يصنع التاريخ ولا يكسب الحرب وأن الادعاء بأن جيش إسرائيل لا يقهر أصبح مثار سخرية حتى من طرف الأصدقاء والمقربين هذا هو حال جيش إسرائيل الذي لطالما افتخرت به وسائل إعلامه ولطالما عملت آلة الدعاية الإسرائيلية والغربية على تضخيمه ليظهر في الأخير أنه نمر من ورق تحيط به آلة حربية جبارة يختبئ وراءها وإذا أصابته السهام يتصرف كالثور الهائج ويدمر كل من يتحرك أمامه خوفا من الإصابة بالمزيد من السهام لكنه في الأخير سيسقط!. الجيش الإسرائيلي الذي كان يرعب بعض الأنظمة المجاورة له صحيح أنه يملك آلة فتاكة جد متطورة لا يمتلكها غيره من أسلحة برية وبحرية وجوية بل يمتلك حتى الأسلحة النووية وهذه هي نقطة قوته إنها الأسلحة المتوفرة والمتراكمة والمدمرة لكنه لا يملك جيشا في مستوى أسلحته ولا في مستوى ادعائه ودعايته ولا يملك رجالا من طينة رجال المقاومة والمعادلة هي سلاح ليس له رجال ومقاومة ليس لها سلاح. *بطولة المقاومة والحيش الورقي لقد رأينا هذا الجيش الذي صنعته الآلة الدعائية عندما يسمع صفارات الإنذار يتسابق للاختفاء ولاختباء وراء كل شيء يراه أماه من جدران وسيارات وعوازل وكيف رأيناه يُخرَج كالجرذان من داخل مصفحاته ودباباته ومكاتبه وثكناته مع قادته وجنرالاته إنها إهانة من المقاومة التي لا تقهر إلى جيش متجبر يملك من العدد والعدة ما لا يملكه غيره رآه العالم يستسلم لرجال المقاومة الذين لا يملكون غير دراجاتهم النارية وبنادقهم البالية لكن إراتدهم لا تقهر لأنهم أصحاب حق وصاحب الحق إرادته من إرادة الله. جيش ورقي يمتلك آلة دمار وضعت تحت تصرفه يدمر بها كل الممتلكات والمؤسسات المباني والمستشفيات والمساجد والكنائس ودور الرعاية ومقار الهيئات والجمعيات والمنظمات الخيرية والدولية. وهذه ليست من القيم المتعارف عليها بين الجيوش المحترمة ناهيك عن قتل الرضع والأطفال والمرضى والمسنين والعجزة وحتى قتل الفارين وملاحقتهم. كل ذلك حدث بعد فشله في رد الاعتبار للإهانة التي لحقت به من طرف بعض العشرات من شباب المقاومة. إنهم شباب صدقوا ما عاهدوا الله عليه شباب يختلفون جذريا عن جيش إسرائيل سلاحهم الذي تحدوا به العالم الذي يتفرج عليهم وتحدوا به العالم الذي حاصرهم وتحدوا به الشريك الذي خذلهم هو الإرادة التي لا تقهر وكما قال مجاهدونا يوما في مواجهة فرنسا: عش سعيدا أو مت شهيدا. إن وصف إرادة المقاومة بأنها لا تقهر ليس مدحا لها وتعاطفا معها أو مجاملة لسلطتها بل هي أقل ما يقال عن حقيقة أذهلت الصديق والعدو على حد السواء أمر لا يصدق أن يصمد مقاومون عزل محاصرون منذ عقدين أمام أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط وبدعم أمريكا المباشر بل تكبد العدو خسارة عسكرية لم يتلقاها في حياته في ظرف قياسي من طرف عدة دول وليس واحدة وهو الذي يدعي أنه هزم العرب في حرب 1967 في ست ساعات وليس في ستة أيام كما يقول العرب.
*موت على كل الجبهات إنهم سكان غزة منذ سنوات يعانون من العزلة والمقاطعة والحصار يعانون من التجويع وقطع التموين من ماء وغذاء ودواء ويعانون من كل أنواع التضييق والتآمر ومن تجدُّدِ العدوان وارتكاب المذابح من حين لآخر. كل هذا من أجل الانهيار والاستسلام والانشغال بقوت يومهم وأمن ليلهم وتأمين عيشهم لكن هيهات هيهات. إن رجال المقاومة بل نساء المقاومة بل أطفالها لا يغادرون بيوتهم وهي تتساقط على رؤوسهم ولا تخيفهم طوابير حمل ودفن شهدائهم ولا تنكر وخذلان ذويهم. إن رجال المقاومة ليسوا من طينة الذين إذا سمعوا صفارات الإنذار يتسابقون للاختباء والاحتماء وفي اليوم الموالي يتسابقون إلى طوابير المطارات للهروب من دولة إسرائيل. بعد طوفان الأقصى وبعد ملحمة الحرب التي أعقبته وبعد أربعين يوما من المواجهة الطاحنة بين المقاومة وجيش الاحتلال تبيَّن للعيان وتبيَّن للعالم من الذي لا يقهر هل هي المقاومة في غزة أم هو جيش إسرائيل؟ هل هي مقاومة لا تقهر وتهين جيش إسرائيل وتأسر قادته وجنرالاته وتقتحم مكاتبه وأبراجه وتخترق تحصيناته؟ أم هو جيش بعد أربعين يوما من المواجهة لا زالت صواريخ المقاومة تتساقط عليه ولحفظ ماء وجهه اقتحم بآلته العسكرية المدمرة المستشفيات فدمر بعضها واحتل بعضها واعتقل نزلاءها وحاول بهذه الوقاحة رد الاعتبار لأهانته ورد الاعتبار لهيبته. إنها مقاومة لا تقهر ويصدق عليها قول الشاعر صفي الدين الحلي: إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا أن نبتدئ بالأذى من ليس يؤذينا بِيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا خضرٌ مرابعنا حمر مواضينا لا يظهر العجز منا دون نيل مُنًى ولو رأينا المنايا في أمانينا.