يقال إنّ فلاناً أثقل ظلا من يوم التاسع سبتمبر، وهو التاريخ الذي عادة ما يعود فيه التلاميذ إلى مدارسهم بعد العطلة الصيفية، وتذكر هذه المقولة للدلالة على ثقل أوّل أيام الدخول المدرسي على التلاميذ، اليوم لنا في التاسع، ولكن الحادي عشر سبتمبر، فهل هذا يغير في الأمر شيئا؟ لا، لأنّ تلاميذَ كثيرين يخشون هذا الدخول، وبعضهم يصطنع الأسباب للتغيب عنه. مصطفى مهدي كيف تكون نفسية الطفل في أول أيام المدرسة؟ هل يكون خائفا، مرعوبا، متوترا، قلقا، فرحا، مرتبكا، متعصبا، مذهولا؟ صحيح أننا لا يمكن أن نطلق أحكاما هكذا على تلاميذ تختلف نظرتهم إلى المدرسة، ولكننا لا يمكن أيضا أن ننفي أن يكون الدخول المدرسي يوما شاقا، وصعبا على كثير من التلاميذ، ولكن، هل هذا يرتبط بنفسية التلميذ، واختلافها من واحد لآخر، أو مرتبط بفشل المنومة التربوية في جعل التلميذ يحب الدراسة؟ وبلغة أخرى هل هذه الظاهرة موجودة في بلادنا فقط، أو أنها ظاهرة عالمية؟ عقدة تُرافقه طيلة المشوار الدراسي سنجيب على هذه الأسئلة كلها عبر المختص النفسي الذي زرناه، ولكن قبل ذلك لنتحدث إلى بعض من كان أوّل يوم دراسي من كلّ سنة أهم حتى من عيد ميلادهم. "لم أحضر أوّل يومي دراسي في حياتي أبدا" هو تعليق محمد بوشريط، وهو شاب أنهى دراسته، ولكنه لا ينسى أنه كان دائما يتحجج للتغيب عن اليوم الأوّل، يقول: "في السنة الأولى، أرادوا إدخالي ولكنني بكيت وبكيت حتى أثرت شفقة أمي فصارت ترافقني بعدها إلى أن اعتدت، ولكن في سنتي الثانية من التعليم الابتدائي، ورغم أنني كنت مجتهدا إلا أنني تمارضت حتى لا يفرض عليّ احد أن ادخل في اليوم الأول، وفي السنة الثالثة أصرت أمي علي، وذهبت بي إلى المدرسة، فلم أجد أمامي من حل ثاني إلا الهرب، فاستغفلتها وهربت، ولم اعد إلا ليلا، ورغم أنها ضربتني، إلا أن ذلك كان أفضل من الدخول، ثم عندما كبرت وفي المتوسط والابتدائي والثانوي والجامعة صرت قادرا على الاختيار، فكنت أتغيب في الأسبوع الأول وما ساعدني أنني كنت مجتهدا، ولم يحاول احد الوقوف ضد رغبتي" وعن السبب يقول: "كنت أشعر أنّ شيئا ما يترصدني في اليوم الأوّل، ربما موقف محرج، أو خطأ سأرتكبه، أو أنني لست مستعدا، وربما لو دخلت في سنتي الأولى لما تعقدت إلى هذه الدرجة، ولكنني كنت مستعدا لأفعل أي شيء إلا أن ادخل في ما كنا نسميه التاسع سبتمبر المُخيف". أستاذة يرهبون التلاميذ... لكن لمَ هو مخيف؟ تساءلنا أيضا ونحن نتحدث مع السيدة ب. ربيعة، والتي أخبرتنا أنها عرضت ابنها على طبيب نفساني، تقول: "الآن أنا أم لثلاثة أطفال، وعندما دخل ابني البكر إلى المدرسة، كان يخشى أولى أيام الدراسة، وكنت قلقة من أجل ذلك، خشيت أن لا يحب العلم، و هو الأمر الذي جعلني أحاول أن أمهد له الدخول قبل أسبوع من التاريخ المحدد، فأشتري له الكراسات والكتب، وأضع أمامه الأقلام، ولكن حالته زادت تعقيدا، وهو الأمر الذي جعلني أفكر في أنني شيئا ما يحدث له، وفعلا، كان أستاذه هو السبب، كان صعبا، وكان يضربه، فنقلت أني إلى مدرسة أخرى فتحسنت حالته، لا بدّ أن يحبب الأساتذة التلاميذ في الدراسة، وان لا يجعلوها مملة، لا أن يخيفوا التلاميذ ويرهبونهم، خاصة في السنوات الأولى، حيث يكون الطفل هشا، ويحتاج إلى اللين، لا إلى التعنيف". تلميذ يحاول الانتحار بداية السنة كانت هذه عينات لتلاميذ يخافون من المدرسة، ومن اليوم الدراسي الأوّل لكن ماذا عن أطفال تجعلهم هذه الفوبيا يحاولون الانتحار، او الهروب من البيت، أو يصبحون عدوانيين إلى درجة يشتمون فيها أولياءهم والأساتذة والمدرسة والقائمين عليها أجمعين، ما الذي يمكن أن يكون وراء الدلال الزائد طفل يرفض أن يدخل إلى المدرسة لأنه اعتاد على العطلة الصيفية، هل هذه الظاهرة تحتم علينا أن نبحث في الأسباب، وتشير لنا بأن هناك أخطر من مجرد "فشوش"؟ وإلاّ فكيف يمكن أن نفسر ما حدث لسيد علي بن عطاء الله، والذي تخبرنا أُمّه سامية أنه حاول الانتحار في غرفة الحمام؟! حدث هذا منذ سنتين، تقول لنا، وتحكي لنا:"كان يدرس في السنة الثالثة، وكان يره الدراسة، والذهاب صباحا، ويعود معقدا، خاصة في سنته الثانية، ولجهلي وحمقي حسبت انه يكره الدراسة فقط، ولكن الأمر كان أخطر من ذلك، خاصة عندما حاول الانتحار وهو يخنق نفسه في الحمام في بداية السنة الدراسية، فحسبت أنه دلال زائد، ورغم أنني أعفيه من الدخول مع بقية زملاءه، وساعدته على نسج قصّة تغيبه، إلاّ أنني لم ابحث في الأمر، إلى أن افتضحت قصّة أستاذ يعتدي على تلاميذ، وكان ذلك في مدرسة ابني، ففهمت كلّ شيء". هل الحل في الفسح والرحلات؟ الكثير من الأولياء فكروا في أن الفسح والرحلات تكون الحل الوحيد لكي ينسى الأطفال التوتر الذي يُصيبهم مع بداية الدخول المدرسي، تقول لنا بهية، وهي أم لطفلين:"لقد اعتدت أن اجعل الأسبوع الأخير قبل الدخول المدرسي من كل سنة، أسبوعا خاصا بالفسح إلى البحر، او الحدائق، او أي مكان يمكن أن ينزع التوتر عن الأطفال، وهو الأمر الذي يساعدهم على دخول مدرسي ممتاز، وقد وُفّقت في ذلك إلى حد بعيد، خاصّة وأنني كنت أعد أبنائي برحلة أخرى نهاية الأسبوع، أي أنهم يدخلون المدرسة، وهم مرتاحين، ويفكرون في أنهم سيُجازون نهاية الأسبوع عندما" سمير من جهته، أب لأربعة أطفال يقول:"لا بد أن لا نجعل الأطفال يفكرون في أنّ الدخول المدرسي هو نهاية للعب، أو للراحة، أو أنهم دخلوا مرحلة صعبة، وأنّ عليهم أن يجدّوا ويعملوا دون انقطاع، إذا لا بد أن ترتب الأمور، فانا مثلا، وحتى في العطل لا اسمح لأبنائي باللعب طيلة الوقت، واستقطع من وقتهم ولو ساعة في اليوم لكي اجعلهم يدرسون، يطالعون كتابا، ويشاهدون شريطا وثائقيا، او أي شيء ينفعهم، وخلال السنة الدراسية، سيدرسون، ويجدون، ويتعبون، صحيح، ولكن أيضا لهم حق في الراحة، وفي اللعب، وهو ما لا احرمهم منه، لأنني اعلم أن فعلت سيكرهون الدراسة أكثر فأكثر، وقد تتشكل لديهم عقدة ترافقهم طيلة مشوارهم الدراسي، وهو ما سيؤثر عليهم سلبا مستقبلا". من جهته الدكتور أمحند كسايس قال: "صحيح أن المشكل يتحول إلى عقدة، ويصبح التلميذ خائفا من الدخول المدرسي، والذي يمثله اليوم الأول، ويصبح غير قادرا على الذهاب إلى المدرسة، ويتفادى ذلك ما أمكنه، وهو عجز على المواجهة، لا بدّ أن نقضي عليه منذ الصغر، وأن لا نُساعد على تطوره، حتى ليُصبح ظاهرة، ويتعقد الطفل، ويصير غير قادر على مواجهة ما يحدث له في حياته، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ الحلول ليست بيد الطبيب، ور غم أنه يأتيني الكثير من الأولياء مُرفقين بأبنائهم، ويقولون لي أنّ كل الحلول لم تنفع في جعلهم يدرسون، أو يحبون الدراسة، وبالتالي لا يتخوفون من أوّل أيام الدراسة، ويُمضونها بشكل عادي، ولكن عادة ما تكون نصائحي عامّة، أو آخذ وقتي لكي أحلل الأمر، فهو مُرتبط بالحالة النفسية، وبما عاشه التلميذ، قد يكون تخوّفه مبنيا على ما وقع له في المدرسة، مع أستاذة، أو مع زملاءه، أو حادثة ما وقعت له في أول يوم دراسي له، وجعله يتعقد، او ما حدث مع العينات التي قصصتموها علي، كل هذا لا بد أن يوضع في الحسبان، قبل حتى أن نتعرض إلى الحلول، فهذه تسبق تلك، أما ما يجب أن يفعله الأولياء قبل كل شيء أن يرافقوا أبناءهم في كل مراحل الدراسة، وان ينتبهوا لكل ما يمكنه أن يكون تغيرا في طباعهم، صحيح أن التخوف والكسل في أولى أيام الدراسي مفهوم، ومبرر، وليس حتى بالشيء الغريب، ولكن ما ليس مفهوما بعض التصرفات التي تعل بعض التلاميذ يعلون أي شيء على أن لا يدخلوا إلى المدرسة، او يؤجلون ذلك لأسبوع او أيام، كان يتمارضوا، او يدعون التعب، او يهربون من البيت، أو غير ذلك من التصرفات الغريبة، و التي لا بدّ أن يبحث الأولياء عن مصدرها، أما الحلول فهي بأيديهم، فنا في مثل هذه الحالات أحاول أن اشخص السبب قبل أن انتقل إلى الحلول، ففي كل الأحوال الأب او الأم أكثر معرفة بابنها او ابنتها من الطبيب، ماذا يحب، ماذا يكره؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تجعها تتقدم في علاجها".