صحيح أنّ الطفل عادة ما يأبى الالتحاق بالمدرسة، او يذهب ويعود بتكاسل، خاصّة في الأطوار الأولى، لكن البعض يذهبون إلى ابعد من ذلك، فلا يتوانون عن الهروب من مقاعد الدراسة، قبل أن تنتهي ساعات الدرس. هي مسألة ومَهمَّة الوالدين في تقريب ابنهما من الدراسة وجعله يتعلق بالعلم، فمن دون شك أن اغلب الأطفال وعند التحاقهم بالمدرة لأول مرة، أو حتى بعد ذلك، لا شك أنهم يشعرون بالسأم والضجر، ويفتقدون لساعات اللعب والحرية والراحة، لكن هذا لا يحدث، او على الأقل يخف إن أدرك الطفل أهمية تعلمه، وان ساهم الآباء والأمهات والأساتذة وحتى أفراد الأسرة الآخرين في توعيته. وغياب الوعي يجعل الطفل قادرا على فعل أي شيء حتى يتخلص من تلك الساعات التي ألقيت على كاهله، والتي لا يعلم ما جدواها وأهميتها، لهذا تجده يشوِّش في المدرسة وينام ولا يركز، ويفعل كل شيء من شأنه أن ينسيه ثقل ساعات الدرس، ويفعل آخرون أكثر من ذلك؛ إذ يقومون بالهرب بعدما يوهمون أولياءهم بأنهم دخلوا المدرسة، أو بعدما يتشاجرون مع الأستاذ، وعادة ما يفعل هذا التلاميذ الذين يجدون أماكن يفرون منها في المدرسة، كأن يكون سور المدرسة ليس عاليا، أو تكون هناك ثغور وثقوب فيه، وهو ما يجعل التلميذ يتشجع ويتحفز ليفعل. والمشكل أنّ بعض الأولياء لا يعلمون بتلك التصرفات، إلاّ بعد مدة قد تفوق الأشهر، خاصّة إن كانوا لا يزورونهم في المدرسة لا صباحا ولا مساء، وهو ما يجعل تلك الغيابات تتكرر، خاصّة إن لم يعرف الأستاذ معالجتها، وطالب التلميذ بأن يحضر والده أو أمه، ما يجعل الطفل يخشى العقوبة، فيتوقف عن الدراسة نهائياً، أو إلى أن تكتشف أسرته أمره. تقول لنا فريال أنها عانت الكثير مع ابنها صاحب العشر سنوات، والذي كان يتغيب عن المدرسة لمدة طويلة دون أن تعلم، والمشكل انه ليس لها الوقت لكي تراقبه، تقول: "إن ابني كثير الحركة، ولا يحتمل المكوث في مكان واحد طيلة اليوم، او حتى أكثر من ساعة، ولهذا فقد كان يهرب من المدرسة، ويذهب للعب ثم يعود ساعة الإفطار كما لو أنّ شيئا لم يحدث، قبل أن يعود في المساء إلى المدرسة، او إلى أصدقائه وهكذا، لهذا صرت استقطع من وقت العمل حتى أوصله إلى المدرسة وأتحدث إلى أستاذه، وأعود مساء لجلبه إلى البيت". أما أنيسة، أم لطفلين، فتقول هي الأخرى:"في السنوات الأولى من التحاق ابني بالمدرسة، كان كثير الهرب، خاصة وان سور المدرسة ليس مرتفعا، ويمكن لأي طفل أن يتسلقه بكل سهولة ويقفز إلى الخارج، ولم أكن اعلم بهذا، ولست حتى قادرة على التحكم فيه، لكن بعد أن التحق ابني الأصغر بالمدرسة صار يقول لي ما يفعله أخوه، وان كان يحضر الدرس أم لا، وهو الأمر الذي جعلني قادرة على التحكم فيه نوعا ما". تحدثنا إلى مراقب عام بإحدى المتوسطات التي اشتهرت بهروب الأطفال منها، وسألناه عن رأيه في الموضوع فقال: "في الحقيقة الظاهرة خطيرة، ورغم أننا نحاول في كل مرة أن نتفاداها، او نمنع تلاميذ المدرسة من الهرب، إلاّ إنهم يفعلون، بل ويختلقون سيناريوهات شيطانية للهرب، خاصّة وأن السور كما ترون ليس عاليا، لكن بصراحة لا أظن أنّ العيب في السور، ولكن في الذهنيات، فلو أقنعنا أطفالنا بأن المدرسة تمثل المستقبل بالنسبة لهم، لما هربوا، أما وأن نضع الأشواك على الأسوار، فهذا من شانه أن يولد شعورا لدى الطفل بأنه في سجن، وليس مدرسة، فيكره الدراسة ويلعنها ويتخوف منها".