* منال محمد أبو العزائم لقد ذكر الله تعالى ثلاث أنواع من النفس في القرآن الكريم وهي النفس اللوامة والنفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء. وأقسم بالنفس اللوامة في قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } (القيامة:2). وهي النفس التي تلوم صاحبها على فعل المعاصي وترك الطاعات عند أكثر المفسرين [1]. والنفس اللوامة هي نفس عظيمة وكريمة الأصل ولا عجب أن يقسم الله بها. ولو كانت غير ذلك لم تلم صاحبها. فهي أطهر معدنا من نفس الكافر التي لا تلوم صاحبها على ترك معروف ولا تندم على فعل منكر. فلا تجد تلك الصفة إلا في مؤمن. وذلك بدليل ما بينه النبي صلى الله عليه من أن المؤمن يفرح بحسنته ويستاء من معصيته وذلك في قوله: إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن [3]. وهذا يعرفه المؤمنون بالسليقة حيث تجدهم يحملون هم الدنيا بما فيها إن وقعوا في معصية. بل تجد منهم من يبكي لذلك حتى تبل دموعه ثيابه من غزارتها. ومنهم من يقم الليل يتحسر على معصيته ويناجي ربه قائلاً: يا رب ظلمت نفسي فاغفر لي ... يا رب عصيتك وقصرت في طاعتك فاعفو عني أو نحو ذلك. ويوافقه في ذلك ما ذُكِر في أنين المذنبين وتوبتهم وندمهم على المعاصي وتحسرهم على ما صدر منهم. ومثاله ما قاله الله تعالى على لسان آدم وحواء حينما تابا في قوله: { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (الأعراف 23.). وقوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي علمه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) (أخرجه البخاري (6326) ومسلم (2705)). وقوله في سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أعوذ بك من شر ما صنعت (البخاري 6323). فإن لم تلم النفس صاحبها كيف لها أن تتوب وتحقق شروط التوبة التي قال العلماء أن من أهمها الندم على المعصية. ثم إن الندم فيه فائدة بتزكية النفس. فهو نوع من الألم الروحي الذي يصيب صاحبه إن لام نفسه على فعل منكر. وبه رياضة روحية وإيمانية تطهر بها النفوس وتجلي القلوب من السواد الذي تركه الذنب فيها. ولذا النفس اللوامة تكون ذكية عادة بذلك اللوم وقوية الايمان والتقوى لربها. وإلا لمَ تتأذى من ذنب فعلته. وهذا خلاف نفس الكافر التي رتكب الفواحش والكبائر ولا تلقي لذلك بالاً. فهي لا تؤمن بالآخرة ولا يهمها إن عصت الله أو أطاعته وذلك لفساد عقيدتها وكفرها. فهي لا تشعر بذنب ولا ندم لأن الكل عندها سيان حيث لا تؤمن بالنار فتخاف من عذابها ولا بالجنة فتطمع في نعيمها. وقلبها مظلم لعدم معرفة الله وتراكم أثر المعاصي والكفر عليه. فلم يعد يشعر بالخوف من الله ولا من عذابه لإنه قلب ميت لا حياة فيه بالإيمان. قال تعالى: { أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 122). والندم ولوم النفس في هذا المساق محمودان لأنهما وسيلة التوبة وتزكية النفس ولذا لا يضيران الإنسان بل يزيدانه إيمانا ورقة قلب ورفعة في الدرجات. وهناك نوع آخر من الندم غير المستحب وهو الندم على غير الوجه المذكور سابقاً. كأن يندم الإنسان على شيء فعله ولم يكن معصية لام نفسه على فعلها ولا طاعة لام نفسه على تركها. بل ندم على أمر دنيوي بحت. وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا نعجز ولا نقل لو اني فعلت كذا كان كذا حيث قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن (لو) تفتح عمل الشيطان (مسلم 2664.) فلا فائدة من هذا النوع من الندم غير مجلبة القلق والحزن. فما صار قد صار ولن يرجع بندم أو لوم نفس. فلا نقعد نتحسر على اللبن المسكوب كما يقولون ولا على ما فات. بل نستعين بالله ولا نعجز. ونعلم أنه ما حدث شيء في الدنيا إلا بتقدير الله. وعلينا أن نتعلم من أخطائنا ونتجنبها في المستقبل. ونحرص على ما ينفعنا ثم نتوكل على الله تعالى. وهناك كنز ثمين علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم فيه سلامة وحل لمشاكل التردد وسوء الاختيار والتصرف التي كثيرا ما يندم عليها الإنسان وينتج عنها ما يضره. ألا وهو الاستخارة التي كان يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن. وما ذلك إلا لفائدتها الكبيرة في هذا الباب وفي كل أمور الحياة حيث تحفظ الإنسان من الكثير من الخسائر والمضار التي يمكن أن تصيبه من سوء التصرف سواء في المال أو الصحة أو الولد أو العمل أو الزواج أو غيره من أمور الدنيا. فالاستخارة تساعده على حسن الاختيار والتصرف بما ينفعه ويصلح أمره. وهي فضل من الله تعالى علينا حيث يكرمنا بما يعلمه وكتبه ويساعدنا في اختيار ما هو أفضل لنا. فنحن بشر لا نعلم الغيب ولا ما سيأتي من أقدار. وقد نختار من الأمور ما يضرنا في المستقبل أو يهلكنا في الآخرة. ولكن بالاستخارة يوجهنا الله تعالى لما فيه الخير لنا. فله الحمد والمنة على ذلك.