فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دلائل انقسام الغرب
نشر في أخبار اليوم يوم 29 - 10 - 2024


بقلم: الدكتور خالد حاجي
تظل مقالة بلينكن عن الحضارة الغربية في جوهرها سجينة بلاغة مستحكمة تدعو إلى الدفاع عن تلك الحضارة وقيمها وهي بلاغة وصفتها الكاتبة ناويزي ماك سويني بأنها دفاع عن سردية مفلسة من الناحية الأخلاقية (وكالة الأنباء الأوروبية)
تضل حكمة الإنسان ويفقد قدرته على التمييز وهو ينظر في شؤون العالم. فبعد مضي سنة من القصف المكثف للشعب الفلسطيني الأعزل بغرض تدمير مقومات وجوده وأسباب بقائه يتوسع الصراع ليشمل هذا القصف وهذا التدمير شعبًا آخر وضاحية أخرى.
عجز
يعجز المرء عن التمييز فتجده في حيرة متصلة يسأل كيف يعجز العالم عن إيقاف مسلسل التهجير والتقتيل في حق شعوب المنطقة العربية الإسلامية وكيف يبارك الغرب هذا المسلسل ويدعمه عسكريًا وسياسيًا ماديًا ومعنويًا؟
إذا كانت الأمور تشي في ظاهرها بأن الصراع هو بين إسرائيل ومحيطها فعند التحقيق يُدرَك بأن ما يقع هو امتداد لصراع يجمع الغرب الاستعماري ببقية العالم وأن فلسطين ليست إلا نقطة التماس بين هذا الغرب وبين الآخرين.
ويأتي قبول الغرب للعنف المفرط والإبادة في حق شعوب المنطقة العربية والإسلامية ليعكس حالة قلق عميق مصدره عدم الوثوق بحاضر فكرة الغرب نفسها وعدم الاطمئنان إلى مستقبل هذه الفكرة كما نقرأ بين أسطر مقالة وزير الخارجية الأميركي حول إستراتيجية أميركا من أجل التجديد وإعادة بناء القيادة لأجل عالم جديد.
يقول بلينكن إن العالم منخرط في تنافس شرس من أجل تحديد طبيعة العلاقات الدولية في الحقبة الجديدة مضيفًا أن عددًا محدودًا من الدول يسعى إلى تغيير المبادئ التي يتأسس عليها النظام الدولي دول تختلف من حيث أشكالها في التدبير والأيديولوجيات التي تحكمها والمصالح التي تحركها وقدراتها المادية لكنها تجتمع على ضرورة التمكين للاستبداد في الداخل وفتح مجالات للتأثير في الخارج.
خياران
ويخيّر بلينكن الحلفاء بين أمرين: مواصلة العمل من أجل تثبيت التحالف تحت إمرة أميركا من أجل الانتصار على العالم الذي تمثله هذه القوى أو السماح لها بفرض نظرتها وتحديد معالم القرن الواحد والعشرين.
حين نمعن النظر فيما جاءت به مقالة بلينكن حول تجديد أو تحيين إستراتيجية السياسة الخارجية الأميركية نجدها تدخل في إطار التذكير بمنجزات الإدارة التي ينتسب إليها دعمًا لحملة الحزب الديمقراطي الانتخابية. هذا من وجه.
لكن من وجه آخر يمكننا القول إن المقالة تظل في جوهرها سجينة بلاغة مستحكمة تدعو إلى الدفاع عن الحضارة الغربية وقيمها وهي البلاغة التي تقول عنها ناويزي ماك سويني (Naoise Mac Sweeny) في كتابها عن الغرب إنها تدعو إلى الدفاع عن سردية مفلسة من الناحية الأخلاقية .
اختارت الباحثة وعالمة الآثار ناويزي ماك سويني لكتابها عنوانًا لا أفصح منه تعبيرًا عن جوهر الغرب ألا وهو الغرب: تاريخ جديد لفكرة قديمة (The West: A New History of an Old Idea).
فالغرب عند التحقيق ليس مكانًا جغرافيًا كما أنه ليس ماهية جامدة تتحدد بالانتساب إلى عرق أو دين أو تاريخ بل إنه فكرة تقوم في جوهرها على جملة من التمثلات لهُوية تُتخذ وسيلة لبلوغ غايات سياسية في سياقات معينة.
كتلة متخيلة
فقارئ كتاب سويني ينتهي إلى التسليم مع الكاتبة بأن الغرب هو كتلة متخيلة تمامًا كما ينتهي قارئ كتاب الراحل إدوارد سعيد عن الاستشراق أو كتاب الشرق المتخيل (The Imaginary East) للكاتب والباحث تيري هنتش (Thierry Hentsch) إلى التسليم بأن الشرق ليس إلا كتلة متخيلة.
تسعى سويني في بحثها القيم والشيق إلى إثبات أن مصطلح الغرب كما نستعمله ليس مصطلحًا يحيل على كتلة متحيزة في جغرافيا بقدر ما هو مصطلح يحيل على مجموعة من المفاهيم السياسية – الثقافية التي تصطبغ بصبغة الحضارة والثقافة.
من هذا المنطلق يصبح السؤال عن جذور الغرب سؤالًا لا معنى له يحل محله سؤال آخر متعلق بماذا نريد وكيف نريد لهذا الغرب أن يكون؟
تصدر سويني عن هذه المقدمات لتخلص إلى القول بضرورة القيام بإعادة قراءة للغرب قراءة تُمكن من إعادة صياغة فكرته على النحو الذي يضمن لنا مستقبلًا أفضل. فقد أصبح من المعلوم بالضرورة عند سويني أن الركائز التي يقوم عليها الغرب تهتز اليوم بفعل ما يشهده العالم من تغيرات لا سبيل إلى إنكارها.
قطب الرحى
إن التركيز على الأصل الذي ينحدر منه الغرب أصبح مثابة قطب الرحى الذي تدور حوله كل الخطابات المتطرفة اليوم في السياق الأوروبي والأميركي. ترى سويني من الضروري تفكيك السرديات المتعلقة بأصول الغرب والتركيز عوض ذلك على السؤال المتعلق بما يمكن أن يكون عليه الغرب وما يكون منه في المستقبل.
في سعيها إلى تفكيك الأصول المتوهمة أو المتخيلة التي تقوم عليها فكرة الغرب تقف سويني عند وجوه بارزة من التاريخ تفرد لكل واحد منها فصلًا بغرض توضيح طبيعة علاقته بالغرب.
تقف عند هيرودوت المؤسس لعلم التاريخ فتوضح كيف كان هذا المؤرخ أقرب إلى الشرق منه إلى فكرة الغرب. ثم تعرج على الكندي كي تبرز كيف كان العقل الإسلامي أقرب إلى العقل اليوناني من العقل الغربي المتوهم.
كما تقف عند السلطانة التركية صفية زوجة السلطان العثماني مراد الثالث لتوضح كيف كان الغرب منقسمًا على ذاته انقسامًا حادًا بين الكاثوليك والبروتستانت وكيف كان التحالف البروتستانتي الإسلامي يضرب الطوق على الكاثوليكية بحيث أصبح شعار البروتستانت هو أن تكون تركيًا خيرٌ لك من أن تكون من أتباع البابا .
إن القول بأصول الغرب المشتركة قول أقرب إلى الهذيان منه إلى شيء آخر. فالغرب على الحقيقة هو فكرة أخذت في التشكل في زمن فرانسيس بيكون هذا المثقف الموسوعي الذي انتهت إليه معارف العالم الكلاسيكي وعُرف بصياغته ل علم الآلة الجديد (Novum Organum) خلفًا لعلم الآلة القديم الذي حكم الحقبة الكلاسيكية.
التجربة العلمية
مع فرانسيس بيكون انتقل العقل من مرحلة البحث عن الحقيقة في عالم الأذهان إلى مرحلة التجربة العلمية بغرض التحكم في الطبيعة في عالم الأعيان. وقد أصبح التحكم في الغير وفي الآخرين جزءًا من التحكم في الطبيعة.
تقف سويني عند فرانسيس بيكون لتجلي العلاقة بين نشوء فكرة الغرب ككتلة متجانسة في مقابل العوالم الأخرى التي أصبحت موضوع الرصد والملاحظة العقليين وموضوع التحكم والتمكن الصناعيين.
في حقبة فرانسيس بيكون حقبة العنفوان والشعور بالقوة والقدرة على تملك العالم تشكلت فكرة الغرب كفكرة تسلطية وتوسعية الفكرة التي أصبح بموجبها الإنسان يستبيح كل أنماط العالم الخارجي العقلية والثقافية سعيًا إلى إدماجها وإلحاقها بأنماط عقله وثقافته هو.
لكن هذه الفكرة التسلطية والتوسعية تجد من ينتقدها ويسعى إلى دحضها والتنبيه إلى مخاطرها من داخل الغرب نفسه. لإثبات هذه الحقيقة تقف سويني عند الراحل إدوارد سعيد وما قام به من جهد تنظيري كبير قصد تفكيك فكرة الغرب الإقصائي التي تسوغ هدم مقومات الآخرين الثقافية والوجودية ثم الارتقاء بهذه الفكرة إلى ما يجعلها تخدم التعايش السلمي بين الثقافات.
إعادة تخيل
تدعو سويني إلى إعادة تخيل الغرب وإعادة صياغة تاريخه لا من منطلق الوقوف عند أصول ثابتة متوهمة بل من منطلق الحرص على استشراف مستقبل تخفّ فيه حدة التوتر بين القوى الكبرى.
من يقرأ كتاب الغرب: تاريخ جديد لفكرة قديمة يشعر بأن الغرب تتنازعه اليوم فكرتان فكرة تسند التطرف والغلو والانطواء على الذات في عالم متغير وفكرة أخرى تعبّد الطريق أمام التداخل والتعايش بين الثقافات والأمم.
هناك سعي حثيث لتجريم المراجعة لفكرة الغرب وإدخال كل من يشكك في أصول الغرب الثقافية والعقدية والفكرية في عِداد من يعملون على تقويض التجانس الغربي. ويقف وراء خطاب التجريم هذا كل المتطرفين الذين يسعون إلى توظيف هوية الغرب المتخيلة الثابتة لأغراض جيوستراتيجية وسياسية تسلطية استعمارية.
أما من يقف وراء تفكيك هذه الهوية من أجل وضع هوية منفتحة مكانها فليسوا بالضرورة أعداء للغرب بل إنهم أناس يثمنون ما بلغه الغرب من تطور وما حققه من إنجازات كبيرة للبشرية وما أقره من منظومات سياسية ساهمت في الارتقاء بالإنسان في نظم اجتماعية وثقافية كفلت له الحرية والتخلص من قبضة الاستعباد والاستبداد.
مراجعة
إن التشبث ببعض ما وصل إليه الغرب من قيم إنسانية نبيلة هو ما يشحذ همم الكثيرين من داخل الغرب من أجل مراجعة الفكرة التي يقوم عليها ومن أجل الانخراط في حوار في أفق إعادة صياغة الوعي بالتاريخ سعيًا للخروج من منطق التسلط والهيمنة هذا المنطق الذي يعِد بخراب العمران وتدمير الإنسان.
تختم سويني كتابها بالسؤال: أليس الغرب هو من علمنا أن نتنكر لما وجدنا عليه آباءنا وأن نقبل على الحوار ونعيد صياغة تمثلنا لشكل التاريخ؟ . نفهم من هذا أن الغرب قد أصبح منقسمًا على ذاته تتنازعه فكرتان: فكرة أصولية تسوغ الغزو للعوالم الخارجية وهي الفكرة التي استنفدت مقوماتها الأخلاقية وفكرة تسعى إلى إقرار سردية أخرى لم تتضح بعدُ ملامحها الكبرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.