ارتبط اسم منطقة مسيف التي تبعد عن عاصمة ولاية المسيلة بحوالي 120 كلم في الجنوب الشرقي، بجبل شهد أعظم المعارك التي قادها المجاهدون بالمنطقة بالولاية السادسة التاريخية، وتعد مسيف من أهم معاقل الثوار أنجبت جيلا من الفحول خلدوا أسماءهم بحروف من ذهب، على غرار الشهيد العياشي شبلي، الشهيدة فطيمة شبيكة، الضابط مويسات فوضيل، والحاج العربي هلالي والبطل الفذ قائد معركة محارقة مخلوف بن قسيم، وغيرهم من الأبطال الذين وهبوا حياتهم في سبيل أن ينعم جيل اليوم بخيرات البلاد· منطقة مسيف من المناطق التاريخية للثورة الجزائرية حيث استشهد بها مايربو عن300 شهيد من مختلف مناطق الوطن، هذا بالإضافة للذين جاهدوا في المنطقة بالسلاح والقلم، ولأن التاريخ لن تمحوه السنون فإن معركة جبل محارقة لازالت تحكي، إلى يومنا هذا، تلك الملحمة البطولية التي استطاع فيها المجاهدون بقدرة الله وإيمانهم بقضيتهم أن يكبدوا فرنسا خسائر جسيمة في العتاد والأرواح·· والطائرة الصفراء لا زالت شاهدة إلى يومنا هذا تحكي للأجيال تلك الملحمة البطولية· جبل محارقة··· شاهد على البطولات جبل محارقة امتداد طبيعي لسلسلة جبال الأطلس الصحراوي على غرار جبال الأوراس والنمامشة وجبال شط الحضنة، يقع الجبل الشاهد على بطولات الثوار جنوب بلدية امسيف ولاية المسيلة وبالضبط شمال أراضى عرش لعمور بطولقة، ويمتاز جبل محارقة بمسالكه الصعبة وتلاله الوعرة مما جعله مكانا آمنا للمجاهدين خلال الثورة المجيدة، وممرا لقوافل جيش التحرير الوطني في شتى الاتجاهات وكذلك موقعه الاستراتيجي الذي أهله أن يكون مكان تجمع والتقاء المجاهدين من مختلف الولايات المجاهدة، وتوفره على قمم جبلية متقاربة تسهل عملية التمويه والاحتماء والتنقل، الأمر الذي جعل المنطقة مركزا مهما لتجمع المجاهدين وتمركزهم من جهة، وجعلها من جهة أخرى محل مراقبة شديدة ومتواصلة من قبل العدو هذا ما جعلها إحدى المناطق الساخنة أثناء حرب التحرير المباركة· شهد جبل محارقة العديد من المعارك الطاحنة التي تكبد فيها العدو الخسائر الكبرى واستشهد فيها رجال صنعوا تاريخ المنطقة الثورية ومن بينها معركة 1956 وما كان في ذلك اليوم المقدس الذي قدسته دماء شهداء الثورة المجيدة فكتب بحروف من ذهب والتي دارت رحاها في منطقة واد لوذح ودخلات لغربة والقعدة-محارقة- أي بين لبوكير والقعدة بمحارقة· ..وبدأت معركة شعبة لوذح 1956·· كانت كتيبة جيش التحرير الوطني بقيادة الشهيد مخلوف بن قسيم متمركزة بجبل محارقة، وقوامها 120مجاهدا وعلى رأسهم الشهيد التومي بن عاشور مساعد قائد الكتيبة وكل من قادة الفرق _ سعد بن عمر- مخلوف بن غضبان ورابح الإبراهيمي الذين استشهدوا كلهم، وتمتلك من السلاح في أغلبه بنادق صيد وستاتي من صنع إيطالي وبندقية قارة من صنع أمريكي و 86 عشاري من صنع إنجليزي و2 مزير من صنع ألماني وقنابل يدوية، ويقابلها قوات كبيرة يمتلكها الاستعمار الغاشم الذي جهز بأحدث الأسلحة الفتاكة والمتمثلة في الدبابات والمصفحات والقوات البرية والقوات الجوية منها 25 طائرة مقاتلة وقاذفة للقنابل المحرقة والمدمرة و 6 طائرات حاملة للجنود· كانت كتيبة جيش التحرير الوطني مرابطة على سطح جبل محارقة بضواحي مسيف وكان مجاهدوا الكتيبة على أتم الاستعداد لأي طارئ من العدو، وقلوب المجاهدين تملأها الرحمة وإرادتهم أقوى من الحديد، كلامهم كله عن الجهاد وفنونه وكيف يهزم المجاهدون العدو في ساحات الوغى، وفي ذات الوقت أخذت دورية الحراسة التابعة لكتيبة جيش التحرير الوطني في أعلى الجبل بالمكان المسمى (القطارة) تقوم بواجب حراسة المنطقة طوال الليل، وما إن لاح صبح يوم 21/11/1956 حتى اكتشفت دورية الحراسة تحركات العدو المتجهة نحو الجبل، فأعطيت الإشارة إلى قائد الكتيبة وما هي إلا لحظات حتى كان توزيع المجاهدين يغطي مساحة الجبل، فكان لابد من تشتيت قتال العدو على معظم نواحي الجبل وهو ما جعل خطة مواجهة العدو تكون بحسب ظروف كل فرقة، وما أن اتضح النهار حتى بدأ الزحف الفرنسي بالقوات البرية والمشاة والإنزال من الطائرات وتوجيه المدافع والدبابات صوب الجبل في صورة رهيبة لكنها لم تؤثر على إرادة المجاهدين وعزيمتهم ، بل زادتهم قوة وصلابة وعزيمة وبدأ النداء بالله أكبر ارتج به جبل محارقة وأخاف العدو الغاشم، وقد شهد الجبل وما جاوره قتالا رهيبا استعمل فيه العدو كل أنواع الأسلحة والذخيرة وغطت أسراب الطائرات سماء جبل محارقة تقنبل مواقع المجاهدين ومن تحتها المدافع تقصف مواقع المجاهدين بكثافة وقوة، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمة أصحاب الأرض من أحرار المجاهدين ووفاء لمن سبقهم في الشهادة، ورغم كل هذا فقد ألحق المجاهدون ضربات موجعة في صفوف العدو في ميدان وغى جبل الشهادة والوفاء، حينها أحس العدو بقوة المجاهدين فعزز قواته بالأسلحة والجيوش البرية والجوية من كل المناطق القريبة والبعيدة ومن مركز التلاغمة وعين أرنات بسطيف وبسكرة وعين الديس ببوسعادة، فكان أول الشهداء في حدود الساعة العاشرة وهو الشهيد شبيكة بوعلاقة· أبطال محارقة يستبسلون في قلب المعركة تواصلت المعركة مع العدو وازدادت ضراوة وعنفا التحم فيها المجاهدون بالعدو في أرض المعركة، وأخذت الطائرات تقصف كل مكان ولا تفرق بين العدو والصديق من شدة التوتر الذي خلقه المجاهدون في صفوف العدو، مما أثر على قوات فرنسا وألحق بها أفدح الخسائر المادية والبشرية والعتاد والأرواح، فطلبت فرنسا الإمداد من كل المناطق والولايات لنجدة صفوفها في جبل محارقة، هذا الوضع شجع الثوار على وضع خطة الانتشار عبر كل مناطق الجبل للتقليل من الخسائر وتشتيت قوة عدوهم، فتحولت الكتيبة إلى مجموعات صغيرة تعتمد على أسلوب حرب العصابات لاستهداف العدو في أكثر من موقع، واستمرت المعركة على هذه الطريقة حتى أنهكت قوات العدو فصعب عليه الوصول إلى المجاهدين وكانت الهزيمة المحققة والنكراء، وبقيت المعركة إلى الساعات الأخيرة من الليل ودامت عشر ساعات، تكبد فيها العدو الخسائر في الأرواح والعتاد، وخرج أبطال جبل محارقة منتصرين مهللين في قوة وصلابة، وتراجع العدو إلى الوراء، وكان النصر العظيم في اليوم المقدس كان فيه جيش التحرير الوطني بجبل محارقة سلاحه الإيمان بالله وبالقضية العادلة والإرادة القوية التي لم تترك للعدو الفرنسي مجالا للنفوذ في أرض مسيف الطاهرة، ويروي من عايش تلك الفترة أن العدو الفرنسي تكبد خسائر كبيرة قدرت ب 400 عسكري بين قتيل وجريح وإعطاب عدة طائرات وإسقاط طائرة هيلوكبتير وأسلحة آلت كلها للمجاهدين الأحرار، أما من جانب جيش التحرير الوطني فكانت قائمة الشرف عامرة بنخبة من خيرة أبناء المنطقة الذين سقطوا في ميدان الشرف من أجل هذا الوطن الغالي والعزيز في نفوسنا ونذكر منهم: * محمد بن بلعباس بن أحمد * خلفة أحمد بن علي * شبيكة بوعلاقة بن حماني * بودراي نلقاسم * لمونس العيد * عبد الله الذيب * شعبان الترعي * حماني عيسى بن احمد * بونويقة عمار * بن رقية عبد الله بن محمد * محمد بوعلام * السعيد حميمي * ملاح السلامي بن الزواوي * بلقاسم سعد بن العمراني * عباس عبد القادر بن عمر * الجموعي عاشور بن محمد * بن بلعباس احمد بن العيد * بن بلعباس الذوادي بن اعلي فرحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه·