تحدث القرآن الكريم عن أصحاب النفوس الصالحة وربط صلاح النفس بالإيمان بالله، وامتدحهم الله تعالى بأن أعد لهم راحة البال والسعادة في الدنيا والمكانة العالية في الآخرة· وجزاء النفس الصالحة عند الله في الدنيا والآخرة قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) سورة النحل الآية 97، تتحدث هذه الآية عن جزاء العاملين في الدنيا والآخرة وأن الله، سبحانه وتعالى، لا يضيع أجر من أحسن عملا، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف· قال الدكتور حلمي عبدالرؤوف أستاذ القراءات بجامعة الأزهر إن القرآن الكريم تحدث عن النفس الصالحة في مواضع عدة، منها قوله تعالى (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) الكهف 82، حيث تتحدث هذه الآية عن غلامين حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما لكونهما صغيرين فقدا أباهما وحفظهما الله بصلاح والدهما فلهذا هدم الخضر عليه السلام الجدار الذي يملكانه وكان تحته كنزٌ لهما حتى يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما وكان أبوهما صالحا فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته حتى بعد وفاته· صفات العبد الصالح وأضاف عبد الرؤوف، بحسب (الاتحاد) أنه من صفات العبد الصالح ما جاء في قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا، وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا) مريم 12 إلى15، حيث أمر الله تعالى نبيه يحيي أن يأخذ الكتاب بقوة بجد واجتهاد، حتى يفهم معانيه ويعمل بأوامره ونواهيه فامتثل لأمر ربه وحفظه وفهمه، وجعل الله فيه الذكاء والفطنة وآتاه الله رحمة ورأفة تيسرت بها أموره وصلحت بها أحواله واستقامت بها أفعاله، لأنه كان عبدا صالحا ولذلك منَّ الله عليه بطهارة القلب من الآفات والذنوب وزوال الأوصاف المذمومة والأخلاق الرديئة وزيادة الأخلاق الحسنة والأوصاف المحمودة· وبيَّن أنه من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا وكان من أهل الجنة التي أُعدت للمتقين وحصل له الثواب الدنيوي والأخروي وكان بارا بوالديه غير عاق لهما ولا مسيئا إلى أبويه بل كان محسنا إليهما بالقول والفعل، ولم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله ولا مترفعا على عبادة الله ولا على والديه بل كان متواضعا مطيعا أوَّابا لله على الدوام فجمع بين القيام بحق الله وحق خلقه ولهذا حصلت له السلامة من الله في جميع أحواله لأنه صاحب نفس صالحة مؤمنة· قبول الأعمال وأوضح عبد الرؤوف أن الإيمان شرطٌ في صحة الأعمال الصالحة وقبولها بل لا تسمى أعمالا صالحة ولا يكون صاحبُها صالحا إلا بالإيمان وهو التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح فإن الله، عز وجل، سيحييه حياة طيبة وذلك بطمأنة قلبه وسكون نفسه الصالحة وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب ويجزيه الله في الآخرة أجره بأحسن ما كان يعمل من أصناف الملذات مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيؤتي الله الإنسان الصالح في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وورد في بعض الآثار (أن الله إذا أراد قبض روح عبد من عباده أرسل إليه ملكا وقال له شمّ رأسه فيقول يارب أجد في رأسه رائحة القرآن فيقول الله شم بطنه فيقول يا رب أجد في بطنه رائحة الصيام فيقول الله شم قدميه فيقول يا رب أجد في قدميه رائحة القيام فينادي مناد من قبل الله عبدٌ حفظ نفسه فحفظه مولاه)· وصاحب النفس الصالحة يتميز بحُسن الأخلاق، لأن من أفضل الأعمال التي دعا إليها الشرع ورغَّب فيها حسن الخلق فهو من أعظم نعم الله على عباده، حيث قال تعالى عن نبيِّه محمد، صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم 4، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)· وأبرز ما تظهر أخلاق المسلم في بيته لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) لأن الإنسان في بيته لا توجد عليه رقابة ولا يخشى شيئا فإذا كانت أخلاقُه حسنة في بيته فهذه أخلاقه مع الناس أما إذا كان خارج البيت مهذبا وفي البيت أخلاقه سيئة فهذه أخلاق لا ترضي الله لأنها أخلاقٌ نفعية مبنية على مصلحة لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن ليدرك بحُسن خلقه درجة الصائم القائم)· مدح الله وقال عبد الرؤوف إن الله تعالى امتدح أصحاب النفوس والأعمال الصالحة بأن أعد لهم المكانة العالية عنده في الآخرة وهي الجنة وفي الدنيا يرى الأثر الطيب لعمله الصالح من امتداح الناس له وشعوره بالسرور والفرح إذا أدخل السرور على قلب يتيم أو مسكين أو ساعد في حل مشكلة أو ساهم في تخفيف آلام المرضى وما إلى ذلك من أعمال الخير التي يشعر الإنسانُ فيها بالسرور من تحقيق هذه الأمور، ولذا نجد حبَّ الله عز وجل لمن يعملون الصالحات قال تعالى (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) القصص 67 وقوله تعالى: (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) طه 75، الآية الأولى تشير إلى أن الناجحين هم الذين أفلحوا في عملهم الصالح وقدَّموا إرادة الله على إرادتهم فكانوا من الفائزين والآية الثانية تبين الدرجات العالية والمراتب الرفيعة لهؤلاء الصالحين· الورع وذكر الدكتور عبد الرؤوف أن أصحاب النفس الصالحة يتسمون بالورع وهو من الصفات المحمودة التي حث عليها الشرع ورغب فيها، قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه إمساكٌ عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات فإن من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام استنادا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه· * ورد في بعض الآثار (أن الله إذا أراد قبض روح عبد من عباده أرسل إليه ملكا وقال له شمّ رأسه فيقول يارب أجد في رأسه رائحة القرآن فيقول الله شم بطنه فيقول يا رب أجد في بطنه رائحة الصيام فيقول الله شم قدميه فيقول يا رب أجد في قدميه رائحة القيام فينادي مناد من قبل الله عبدٌ حفظ نفسه فحفظه مولاه)·