بقلم: عبد القادر حمداوي الرحمة تحمل المعنى الكامل بالعطف والشفقة يدركها أصحاب الإيمان. لها مدلولات واسعة، شاملة وعميقة، فهي كلمة طيبة، ويد مبسوطة بالخير لتكون الرحمة. يتخلق بها حسن الخلق بطلاقة الوجه، وبذل المعروف وكف الأذى عن الناس. فمكارم الأخلاق صفة من صفات الصالحين بها ترفع الدرجات، والتألق والتماسك، وعندها يتحول الحزن إلى الفرح ويمزج بالجد و الصدق. الدنيا مزرعة تثمر وتنضج وتقطف فهي كذلك جسر يعبر عليها خلائق إلى الدنيا الآخرة إذا كانت ثقيلة بقدر على حملها يهيأ نفسه لينجو ويزحزح من النار فيفوز، وأما من خفت موازينه في عمرة كئيبة وفي ندامة وحسرة. فالإنسان في هذه الحياة يؤدي واجباته يسعى في مناكبها، فهو يحتاج إلى نور يضيء له ما أظلم ويحتاج إلى المواساة والتعاون والأخاذ والمحبة والعاطفة والرحمة يبذلها أناس أصفياء النفوس وأصحاب الإيمان الذين يخشون ربهم في السراء والضراء ويساعدون الضعيف، ويطعمون الجائع ويكسون العاري ويداوونالمريض، ويسعون لفعل الخيرات. فالرحمة خلقا إيمانيا رفيعا، وطبعا إنسانيا عاليا حسب البيئة التي يعيش فيها مع النفوس الطاهرة، فهي مكانة عالية وصفة من صفات الله تعالى جلت قدرته وتباركت أسماؤه. أين كل هذا من شهر رمضان، أحوج ما يحتاج الإنسان إلى الرحمة في معاملاته اليومية وفي علاقاته مع غيره. يلجأ إليها عندما يكون مضطرا ويأوي إليها وهو خائف يبحث عن النور الذي يرشده إلى الصواب. عندئذ يبشر برد اليقين وحلاوة الإيمان فلا يذل ولا يهون يلجأ إلى ركن ركين. ومن مظاهر الرحمة قمح تحديات تحرير الإنسان وتلك التحديات تيارات الإلحاد الجارفة، والمبادئ والنظريات الزائفة التي تهب على المجتمع العربي فتفرق وحدتها وتوهن عزيمتها. وتساق إلينا الوهن والخوف وركننا إلى الجمود والركود والاختناق، يستمر في كل هذا عدونا القريب و البعيد والكثير منها جعلنا نعيش الفوضى كالغياهب وجعل منا لقمة سائغة، في كل الأحوال ونتمثل بالأخلاق المذمومة والمهانة وابتعدنا عن الأخلاق المحمودة شأنها شأن الأمراض الخبيثة لا ينفع معها الحذر ولا من الأمراض المعروفة. فالداعين لها داخل المجتمع بطريقة ظاهرة أحيانا ومستترة في بعض الأحيان إلا بمنطق القوة وسياسة القمع مع هذا الضعيف من البشر لأن هناك أشياء كثيرة لا بد من سحقها، فالرذائل وشيوع التقليد والمحاكاة في الظهر من السلوك والأفعال التي يمثلها عينات من الرجال والنساء على حد سواء، فيتشبه الرجال بالنساء في فعل رخيص بغير ضابط ولا صحة تقدير. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم) المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال). الإنسان لا بد أن يكون رحيما وخاصة في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل. وأن يبدأ صلاته وأن يحافظ عليها وأن يقول عند افتتاحها: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم لأن لاصلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب، وعلينا أن نستقبل النهار والليل بالوقوف بين يدي الله في عملنا من بدايته إلى نهايته. عندما نستسلم للنوم تحت جنح الظلام فالله أرحم الراحمين وسعت رحمته كل شيء يسعى المسلم في كل عادته ومعاملاته ولا ينسى ذكر الرحمة ولا يحق له أن يغفل عن الله فهذا مظهر من مظاهر الرحمة يتمثل في البر والعطف بالكلمة الطيبة وبسط يد العون والمساعدة لمن عصفت بهم ريح الحياة ولفضتهم بأحزانها وقست عليهم بوزرها الثقيل. الرحمة تزيح الغل والحسد والبغي والظلم والقسوة والمكر والطمع والجشع والفزع والجبن والبخل والكسل والذل. (فمن ضم يتيما إلى طعامه وشرابه وجبت له الجنة). ومن أعطى سائلا، ومنح محتاجا وأغاث ملهوفا وأعان مكروبا، فهو رحيم القلب مستوجب للأجر وقبول العذر ويتجاوز عن الظلم ويعفو عن الذنب. فالرحمة والذل للوالدين زيادة تأتي من كرامة في النفس فتحتسب أجرا لتحلي بالصفات الحسنة. فيبتعد عن الحقد والكراهية وبذاءة اللسان التي أصبحت عامة في كل مكان، والشح وقطع الأرحام. القرآن الكريم بكل ما جاء من أحكام، حظر واستحب وكره وحرم وأباح وأمر ونهى وواعد وأوعد. تستقيم بها أمور البشر الدينية والدنيوية، القرآن بهذه المثابة هو ميثاق الرحمة للعالمين. فحكمة القرآن غاية في الدقة والإحكام وليتعاملوا بها البشر بدءا من الكلمة الطيبة الخيرة الكريمة، واليد السخية المبسوطة وقوله تعالى (إن رحمت الله قريب من المحسنين) ويا عجب من يتوضأ خمس مرات في اليوم مجيبا داعي الله ولا ينقي قلبه مرة في السنة ليزيل ما علق به من الدنس. وكفى للأيدي المعتدية الأثيمة ومطاردة لأصحاب البدع والمنكرات. (الراحمون يرحمهم الرحمان).