* مشاركون في استفتاء ل "أخبار اليوم" يُحمّلون الوالدين مسؤولية انحراف الأبناء أجمع الجزائريون على أن السبب الأوّل في تدهور الوضع الأخلاقي في الجزائر يعود إلى غياب دور الأسرة في تربية النشء الجديد وتلقينه القيم والمبادئ الاجتماعية والدينية والأخلاقية التي توارثوها عبر الأجيال والاكتفاء بتوجيههم إلى الشارع الذي يعدّ المدرسة الأولى للانحراف، يليه مباشرة تصفّح المواقع الإباحية الذي يعدّ بمثابة الضربة القاضية لجميع قيم المجتمع، وهو ما أكّده علماء الاجتماع الذين أضافوا إلى هذا السبب غياب دور المسجد الذي يعدّ المرجع الديني الأوّل للمجتمع والاكتفاء بتحويله إلى مكان للعبادة فقط، ليستمرّ تدهور المنظومة الأخلاقية للجزائريين. حسب نتائج سبر الآراء الذي أجرته (أخبار اليوم)، والذي شارك فيه 658 جزائري فإن السبب الأوّل في تدهور الوضع الأخلاقي في المجتمع يعود بالدرجة الأولى ؤلى إهمال الوالدين لتربية الأبناء بنسبة 31.5 بالمائة، يليه تصفّح مواقع الفاحشة على الأنترنت بنسبة 16.5 بالمائة، ثمّ وسائل الإعلام بنسبة 12 بالمائة، كما اعتبر 54 شخصا الفقر واحدا من أهمّ أسباب الانحراف الخلقي بنسبة 8.2 بالمائة، أمّا 53 شخصا آخر فصوّتوا لغياب دور المدرسة بنسبة 8.1 ، في حين لعب انتشار الهاتف النقّال دوره أيضا بنسبة 7.3 بالمائة، في حين صنّف المشاركون في سبر الآراء غياب دور المسجد في المرتبة السابعة بنسبة 6.1، تليه مخلّفات المأساة الوطنية ب 5.6 بالمائة أمّا غلاء المعيشة فقد صنّف في المرتبة الأخيرة ب 4.7 بالمائة. متى تتدخّل السلطات وتحجب مواقع الفاحشة؟ كما أظهرت نتائج سبر الآراء أن الجزائريين يدركون تماما الوضع الذي آل إليه المجتمع من تراجع للقيم والمبادئ ويدركون السبب الحقيقي الذي يكمن وراءه غير أنهم لا يدركون كيف يتمّ الإصلاح، سواء كان عن طريق تدخّل المجتمع المدني أو عن طريق تدخّل الدولة الذي لها السلطة في القضاء على العديد من الأسباب من بينها المواقع الإباحية، الفقر، غلاء المعيشة وحتى وإن لم تكن أسباب جوهرية إلاّ أن لها تأثيرا كبيرا في تربية المجتمع. فالجميع يدرك بشكل عام، وبعبارات مختصرة يمكن القول إن شبكة الأنترنت في الجزائر تتمتّع بحرّية كبيرة دون مضايقات على نطاق واسع من الدولة، خاصّة إذا تمّت المقارنة بينها وبين جارتها اللصيقة تونس صاحبة السجِّل الأسود في هذا النّوع من الرقابة، خاصّة إذا ما تعلّق الأمر بالمواقع السياسية التي تهدّد استقرار أمن الدولة قبل أن تعلن تونس العام الماضي على قانون ينصّ على حجب المواقع الإباحية، وهو ما من شأنه أن يعيد بناء مجتمع سوي غير ذلك الذي تشبّع بالعوالم الغربية، ليبقي السؤال: لماذا لا تحذو الجزائر حذوها، خاصّة وأن هناك نصّا قانونيا يوضّح أن المسؤولية القانونية على المحتوى الذي يتمّ نشره تقع مباشرة على مزوّدي الخدمة؟ حيث تنصّ المادة 14 من مرسوم الاتّصالات الصادر عام 1998 على مسؤولية مزوّدي خدمات الأنترنت عن المادة المنشورة والمواقع التي يقومون باستضافتها، وينصّ نفس المرسوم على ضرورة اتّخاذهم كافّة الإجراءات المطلوبة للتأكّد من وجود رقابة دائمة على المحتوى لمنع الوصل إلى المواد التي (تتعارض مع الأخلاق أو ما يوافق الرّأي العام). غير أن هذا النص القانوني لم يطبّق بعد على المواقع الإباحية، حيث أن تقارير منظّمات حقوق الإنسان لم ترصد أيّ تفعيل لتطبيق هذه المادة على حالات داخل الجزائر، في حين يرصد بعض المواطنين من الداخل مواجهة حجب لبعض المواقع ذات الطبيعة الحسّاسة مثل المواقع السياسية، لكن هذه الشهادات لم يتمّ تدعيمها من أيّ تقارير من أطراف أخرى. ورغم أنه سبق وأن أعلن الرئيس المدير العام لاتّصالات الجزائر في شهر ماي من سنة 2010 أن هيئته وفي غضون 8 أشهر تكون قد أنهت التحضيرات الإجرائية والتقنية من خلال تقنيات خاصّة لحجب المواقع الإباحية ومواقع التنظيمات الإرهابية عن مشتركي الأنترنت في التراب الجزائري من برامج إعلام آلي تسعى لاقتنائها، وفي انتظار ذلك وضعت اتّصالات الجزائر خدمة مجّانية تحت تصرّف الأولياء وملاّك مقاهي الأنترنت لتمكينهم من حجب تلك المواقع محلّيا، غير أنه مرّ عامان كاملان دون أن يتمّ حجب هذه المواقع والمقدّر عددها ب 150 موقع إباحي يتداوله الجزائريون يوميا. ويتحمّل نواب البرلمان الذين انتخبهم الشعب جزءا من المسؤولية، حيث يتعيّن عليهم التركيز على الوضع الأخلاقي قليلا وعدم التركيز فقط على الوضع الاقتصادي والأمني للبلاد لأنه دون مجتمع لن تكون دولة. في هذا الصدد أكّد سليم سيدي موسى نائب عن حزب العمّال أن مشروع حجب المواقع الإباحية الذي كانت الشقيقة تونس السبّاقة إليه من شأنه أن يصلح المجتمع، غير أن كتلته البرلمانية ليس لديها صلاحية اتّخاذ أيّ قرار، حتى وإن سعت لطرح مشروع حجب المواقع الإباحية على البرلمان فالقرار يعود لحزب الآفلان والتجمّع الديمقراطي باعتبارهما يتشاركان السلطة، مؤكّدا أن الوضع الذي آل إليه المجتمع خطير ولابد من تكاثف جميع الأطياف السياسية لإيجاد حلول جدّية، كما أوضح أنه ليست المواقع الإباحية وحدها التي تقع مسؤولية حجبها على الدولة، بل الفقر وغلاء المعيشة هما أيضا من مسؤولية الدولة القضاء عليهما باعتبارهما سببين مباشرين في انحراف المجتمع وتنامي ظاهرة الإجرام. فالفقر يدفع المواطن إلى ارتكاب أيّ جريمة بغرض الحصول على المال، داعيا جميع الكتل البرلمانية إلى ضرورة الاتّفاق لبعث مجتمع سوي. بدوي: "حجب المواقع لن يقي المجتمع من الانحراف الخلقي" من جهته، قال هشام بدوي أستاذ علم الاجتماع بجامعة بوزريعة إن الانحراف الخلقي في الجزائر سببه الرئيسي غياب دور الأسرة ودور المسجد، هذا الأخير الذي تحوّل إلى مكان للعبادة فقط حيث لم يعد يؤدّي واجبه في تأديب النّاس وتعليمه قيم دينهم الإسلامي الذي ينصّ على الصفات الحميدة ونبذ السيّئة منها، كما تحوّلت نظرة المجتمع إليه إلى أنه السبب وراء ظهور المتعصّبين الذين أغرقوا الجزائر في بحر من الدماء لسنوات عديدة، لتتحوّل بذلك المأساة الوطنية إلى سبب في تراجع الأخلاق. حيث فرضت الجماعات خلال فترة التسعينيات ضغطا رهيبا على المواطنين منعهم من ممارسة حرّياتهم، وبمجرّد اعتلاء عبد العزيز بوتفليقة الرئاسة ونجاحه في استباتتة الأمن من جديد راح المواطنون يبحثون عن الحرّية، فمن أرغمت على ارتداء الحجاب خلعته، ومن منع من استخدام الهوائيات المقعّرة سارع إلى اقتنائها رغم الأضرار النّاجمة عليها. كما لم يخف بدوي أن المسؤول المباشر هي الأسرة التي أهملت دورها في تربية النشء ووجّهته إلى الشارع أين تعلّم مختلف الموبقات باعتباره مؤسسة إنتاج المنحرفين، إلى جانب سيطرة العوالم بمعنى الإعلام الغربي على عقول الشباب، حيث أصبح المجتمع الجزائري شبيها بالمجتمع الأمريكي والأوروبي، سواء في طريقة لباس الشباب أو حديثهم وحتى نمط تفكيرهم أصبح غربيا، وهو ما يفسّر عبارة (كل شيء عادي) التي يبرّرون بها تصرّفاتهم الخاطئة في نظر الأسرة. أمّا فيما يخص المواقع الإباحية فقد أكّد محدّثنا أن 65 بالمائة من الجزائريين الذين يلجون عالم الأنترنت يتصفّحون المواقع الإباحية، ويرجع ذلك إإلى المكبوتات النّفسية ونظرة المجتمع السلبية إلى الثقافة الجنسية، كما أكّد أن حجبها لن يكون الحلّ بل الحلّ يكمن في إصلاح الأسرة ومراقبة الحرّيات التي منحتها لأطفالها عن طريق حملات تحسيسية تنظّمها الجمعيات لأن الطفل الذي تربّى على عادة وتقليد أساسه المرجعية الدينية سوف يتفادى هذه المواقع لإيمانه بأنها حرام، وأن لجوء الدولة إلى حجبها قد يساعد في زيادة رغبة المواطنين في الإقبال عليها من منطلق أن الممنوع مرغوب.