بقلم: عبد القادر حمداوي أما فيما يتعلق بالجانب السياسي فإن العلماء كانوا ينادون بكيان جزائري ينفصل عن فرنسا، كما دعوا إلى القومية العربية الإسلامية وعارضوا بشدة فكرة التجنيس والاندماج حفاظا ودفاعا عن شخصية وعروبة وإسلام الجزائر فإطار الشعار الخالد: الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا، وبالإضافة إلى هذا فقد كانت هناك عدة حركات سياسية. ومع مسيرة هذه الحركات السياسية المختلفة والمتعددة بما فيها أهم الأحزاب التي تعرضنا لها باختصار، ومنها التيارات التي سبقت الثورة المسلحة لتكون تمهيدا للعمل الخالد الذي قام به شعبنا. ومن هنا قررت مجموعة صغيرة من المناضلين المؤمنين بقضية الثورة ، واستخلاص الدروس، والانتقال من مرحلة النضال السياسي العقيم الذي لم يفلح رغم المجهودات المتواصلة إلى مرحلة الكفاح المسلح باعتباره الوسيلة الأكثر ملاءمة لتحقيق آمال الشعب في التحرير والانعتاق، وهكذا فقد تم في 23 مارس 1954 إنشاء لجنة الثورية للوحدة والعمل، مهمتها القيام بالتحضير للكفاح المسلح. وكان من بين قادتها الزعماء: ديدوش مراد، مصطفى بن بولعيد، زيغود يوسف، كريم بلقاسم، اوعمران...والأبطال الذي جاءوا من بعدهم، وعقدت هذه الجنة عدة اجتماعات منها: الاجتماع الذي عقد من 3 إلى 11 جوان 1954 حيث اتخذ قرار الانتقال الفوري للكفاح المسلح، وهكذا جاء الوعد الموعود، وفي ليلة كانت أولى من ليالي نوفمبر أوقدت نخبة الأحرار من الديار الشعلة التي سوف يمتد لهيبها بسرعة موقعا في كل مكان في أنحاء التراب الوطني، وجهت جبهة التحرير الوطني في ذلك اليوم نداءها التاريخي إلى الشعب الجزائري. أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية، أنتم الذين تصدرون حكما بشأننا نعني الشعب بصفة عامة والمناضلين بصفة خاصة نعلمكم بأن غرضنا من أجل هذا، الإعلان وتوضيح الأسباب العميقة التي دفعتنا إلى العمل أن هدفنا هو تحقيق الاستقلال في إطار الشمال الإفريقي ورغبتنا هي أن نجنبكم الالتباس الذي يمكن أن توقعكم فيه، الإمبريالية وعملاؤها وبعض محترفي السياسة الانتهازية، نحن نعتبر أن الحركة الوطنية بعد مراحل من الكفاح قد أدركت مرحلة الانتكاس النهائية فإن كان هدف أي حركة ثورية هو خلق الظروف الثورية للقيام بعملية تحريرية فإننا نعتبر أن الشعب الجزائري بأوضاعه الداخلية ملتف حول قضية الاستقلال والعمل من أجل بناء المغرب العربي. إن أهدافنا الأساسية هي الاستقلال الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الشعبية الاجتماعية لشمال الإفريقي في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي. إننا مصممون على مواصلة المعركة، وواثقون من عواطفكم المعادية للاستعمار. إننا وهبنا أرواحنا للوطن، وهي حياتنا جبهة التحرير الوطني انطلقت العملية الأولى في جبال الأوراس، ثم امتدت إلى كامل التراب الوطني إلى كامل أنحاء القطر، لم يكد المعمرون يصدقون أن ثورة عارمة قد قامت، وأنها انبثقت من الإرادة الشعبية وكان رد الاستعمار الفرنسي هو اللجوء إلى القوة. وتجعل سلطات الاستعمارية ببعث قوتها إلى المناطق التي تركزت فيها العمليات الفدائية الأولى في 38 نقطة من التراب الجزائري من الحدود الغربية إلى الحدود الشرقية تحت شعار الله أكبر، وفي نفس اللحظة انطلق فيها الكفاح تم توزيع منشور يعلن عن ميلاد جبهة التحرير الوطني التي فتحت الباب على مصرعيه للتيارات للتعبير عن رأيها ، وكانت جبهة التحرير الوطني وحيدة موحدة وهدفها الأساسي تحرير البلاد، وهكذا بدأت الثورة بفرق صغيرة من المناضلين موزعة في كل منطقة من مناطق الوطن بوسائل لا يمكن مقارنتها مع ما يملكه العدو. إن أحسن طرق لإخماد هذه الثورة في نظر السلطات الفرنسية هو شن حملة واسعة النطاق من التفتيش والاعتقالات لقد كان كل الجزائريين مشبوها في أمرهم بالنسبة للاستعمار، وخاصة في القرى والأرياف الجزائرية الذين احتضنوا الثورة في بدايتها. وفي يوم السادس فيفري عام 1955 تسقط حكومة مندس فرانس وتعلن حالة الطوارئ، وتغلق المدارس وتمنع الصحف وكل الحركات الوطنية، والتحقت الإطارات الوطنية بصفوف جيش التحرير الوطني. وبدأ تنظيم خلايا المقاومة بكامل القطر، واتسع لهيب الثورة، وأصبحت القوة الفرنسية في حالة ارتباك تحاول حصار الفدائيين بدون نتيجة، لقد كانت هذه الليلة الأولى من ليالي نوفمبر الفاصلة للفترة من الظلام الطويل استعملت القيادة الفرنسية في عملياتها الأولى ضد المقاومة مئة ألف جندي، واحتضنت الجماهير الريفية الثورة منذ الوهلة الأولى، وأحس كل فرد بمسؤوليته تجاه هذه الثورة التي أصبحت تمثل الطريق الصحيح، والأمل المستمر وكان يوم 20 أوت 1955 من تلك الأيام التي ستبقى خالدة في تاريخ الثورة المسلحة. انطلق رجال من جيش التحرير من الولاية الثانية بشمال القسنطيني في هجوم ساحق ردا على عملية القمع التي شنتها قوات الاحتلال الفرنسي، وهجم المجاهدون في وقت واحد ثلاثمائة في موقع بالعالية وسكيكدة وامتدت المعارك إلى القبائل الكبرى واتسع لهيب المعركة بعد ذلك إلى جبال الونشريس والأطلس البليدي، وجبال الظهرة وإلى الغرب الجزائري شنت السلطات الاحتلال حملة واسعة من الإرهاب والتقتيل، غير أن معارك 20 أوت قد دعمت صفوف جيش التحرير الوطني أصبح واضحا أمام سلطات الفرنسية أنها ثورة شعبية عارمة. وتوالت الحكومات بعد الحكومات في فرنسا ولتحطيم كلها على صخرة الثورة الجزائرية، وبلغت عملية القمع أوجهها عندما توالت السلطة حكومة ما يسمى بالاشتراكيين بقيادة كيمولين. وقد وجد المعمرون في لاكوست (وزيرهم المقيم بالجزائر المطبق الأمين لسياسة الحقد والتقتيل). أما كيمولين (فقد بلغ في ثباته على مبادئ الاشتراكية إلى حد تغيير سياسته تحت تأثير ضمان المعمرين الذي قبل بهذه الرسالة، وفي الرابع والعشرين 24 / 02 / 1956 أنشأت جبهة التحرير الوطني منظمة الاتحاد العام للعمال الجزائريين ردا على أعمال القمع والتقتيل والاعتقالات، قررت جبهة التحرير القيام بسلسلة من الأعمال الفدائية داخل المدن. وفي السادس عشر مارس 1956 يقوم الفدائيون بنسك مشروع الكلية وكان ما كان من عملية التقتيل والتعذيب والإرهاب الذي بلغ أوجه في الحكم (الكيمولين). ويلتقي اليمين واليسار الفرنسي بيمينه ويساره على السلطات الخاصة التي ستسمح للكوست بإطلاق العنان لنزواته المثبوتة ضد الشعب العربي في الجزائر، وماكانت مصادقة على السلطات الخاصة من مضاعفة الجهود وبعث المزيد من الشبان الفرنسيين في إطار الخدمة العسكرية للزج بهم في حرب قذرة ضد الشعب الجزائري، وبلغ مجموع قواته الفرنسية ما يزيد عن ثلاثمائة ألف جندي مدججين بسلاح الحلف الأطلسي وهذا بالإضافة إلى المعمرين الذين كانوا مسلحين، والقوات الفرنسية القادمة من الهند الصينية بعدما تداهمت هناك على عمليات الإبادة والتخريب إلا أن الشعب الجزائري، قد التف كالبنيان المرصوص حول جبهة التحرير العتيدة التي أصبحت تتدعم كل يوم أكثر فأكثر، وأصبح عدد المجاهدين ما يعد بالمئات بل بالآلاف والتحقت المرأة الجزائرية بصفوف المقاتلين لتقوم بمعالجة الجرحى، وبتنظيم المصالح الاجتماعية التابعة لجيش التحرير الذي أصبح جيشا منظما يقرر المعركة عندما يشاء وفي المكان الذي يشاء. وفي جوان 1956 تقرر قوانين القوة، إعدام الفدائيين كان أولهم البطل زبانة. وردا على هذا العمل الإجرامي تضاعفت جبهة التحرير بكل صلابة للأعمال الفدائية، وتشن حملة بين العمليات تثبت الرعب في نفوس المعمرين وأعوانهم وتلبية لنداء جبهة التحرير يقوم الشعب الجزائري بشن حرب شاملة للإعلان عن التفاتة حول جبهة التحرير الوطني.