بقلم: عبد القادر حمداوي إن المقاومة التي خاضها الشعب الجزائري عبر مراحل الوجود الاستعمار الفرنسي منذ الاحتلال ساهم فيها مناضلون مؤمنون بالقضية الوطنية منذ أن كانت فكرة تختصر في الأذهان حتى استوت الفكرة كاملة، إننا نبين المراحل التي مرت بها المقاومة السياسية في بداية الخمسينات، حيث أن الأوربيين الموجودين في الجزائر أقلية آنذاك الذين حاولوا أن يسيطروا على الجماهير العريضة المسلمة الجزائرية ذات الأغلبية الساحقة، الشيء الذي جعلهم يفقدون السيطرة والنفوذ الممنوح في ذلك العهد، كان سبب رفض الجزائريين للفكرة القاضية بالاندماج والتجنيس للتخلي عن دينهم وقوميتهم العربية والإسلامية كان الرفض بإصرار وبصورة قطعية، حيث عبر الإمام ابن باديس عن رأيهم في صيحة وصرخة عالية: شعب الجزائر مسلم * وإلى العروبة ينتسب وعندئذ حولت الإدارة الاستعمارية زراعة الأراضي الخصبة إلى إنتاج الكروم وقسمت الجزائر إلى ثلاث مقاطعات سميت فرنسية وفتحت اعتمادات مالية هامة للمعمرين، ولم تبق للجزائريين إلا المزالق القاحلة الجرداء، وتحول الفلاحون إلى أجراء وخماسة ونزح الباقون إلى المدن بحثا عن لقمة العيش، وفي سنة 1878 عرف الجنوب الجزائري عدة انتفاضات شعبية حيث شنت مجموعة من الأعمال الفدائية ضد العملاء والخونة عام 1886 بلغ عدد العمليات الفدائية 2623عملية، وفي 1890 بلغت عدد العمليات الفدائية 5014 وفي عام 1894 تجاوزت عدد العمليات 1000. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت تبرز هنا وهناك في العالم تيارات فكرية تحررية تحت ضغط الطبقة الكادحة، وفي المشرق العربي، بدأت تبدو الملامح العربية الإسلامية كانت لها أصداء في الجزائر وتمثلت هذه النهضة الفكرية في كتابة شكيب أرسلان وجمال الدين الأفغاني وغيرهم من الوطنيين المسلمين الذين أبلوا البلاء الحسن من أجل يقظة ضمير الأمة العربية وبدأ الشعور الوطني في الجزائر يتخذ شكلا منظما في أوساط العمال والمثقفين والحرفيين والتجار، وكانت محاولة لإيقاظ التيار الوطني، وهي المحاولة التي قام بها الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، وتشكل هذا الحزب في 1919، كان برنامجه إصلاحيا يعتمد على فكرة المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في الوظيفة ووقف الصلاحيات التي أعطيت لحكام البلدية وإنشاء جامعة جزائرية والتعليم الإجباري باللغة العربية وغيرها من الأمور التي استطاع من خلالها الحزب جذب مختلف الطبقات وإرضاء أغلبية جماعة النخبة وكانت المطالب الوطنية تسعى إلى تحقيق هدفين أساسين: - استرجاع الأراضي. - استرجاع مقومات الشخصية الوطنية. * تم لأول مرة ميلاد حزب وطني جزائري أطلق عليه نجم شمال إفريقيا وذلك بمبادرة الإطارات السياسية المغتربة بفرنسا. وتمثل نشاط هذا الحزب بمجرد إنشائه في شن حملة نوعية وطنية في صفوف المغتربين بفرنسا وبداخل الجزائر. وهكذا شن العمال والفلاحون في الجزائر سلسلة من الإضرابات من أجل المطالب الوطنية. واتسعت حملة النوعية إلى المساجد، مما دفع سلطات الاحتلال إلى منع الدروس في المساجد، وتضاعفت عدد المدارس والجمعيات ثقافية والفنية والرياضية. كانت كلها تهدف بشكل أو بآخر إلى تنمية الشعور الوطني والديني، وإلى جانب نشاط الحزب الوطني. برزت حركة الإصلاح بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس الذي كان يمثل ضمير الأمة الجزائرية ومقوماتها وكانت الحركات الإصلاحية تمثل نوعا من الدفاع الوطني ضد محاولة المسخ والتمسيح التي استعملها المستعمر كسلاح ثان بعد السلاح الجديد للقضاء على مقومات الوجود الروحي للأمة الجزائرية، كما تصدت الحركة الإصلاحية بكل أنواع التفجير والتضليل والخرقات وإبراز المفهوم الصحيح والصورة الناصعة للإسلام. والتي كانت ثورة حقيقية من أجل تحرير الإنسان. * كيف كان الرأي العام في فرنسا آنذاك في سنة 1936 كان يؤمن أن يؤدي ذوي الجبهة الشعبية إلى التطور الموقف الفرنسي ولكن تعنت المعمرين في الجزائر كان أقوى من هذا التيار التقدمي 1939 الحرب العالمية الثانية. سيخوض الجزائريون هذه الحرب من أجل حرية الآخرين وسقط مئات الآلاف منهم في هذا الحرب. 1945 يحتفل الفرنسيون بعد التحرير وقهر النازية وقد كانت وضعت منذ 1942 الخطوط العريضة لميثاق الأممالمتحدة الذي يتضمن في بنوده الأساسية حق الشعوب في تقرير المصير، ونتيجة المنطقية لذلك في أن يعرض الشعب الجزائري أمام الملأ مطامحه الوطنية التي ظل يكافح من أجلها، فكانت مظاهرات 8 ماي 45 في الشرق الجزائري وتصدي حكام فرنسا بيمينهم ويسارهم تصدوا بوحشية لأولئك الذين وقفوا إلى جانبهم في الأمس القريب لمقاومة النازية واستعانوا بالجزائريين ليحيوهم، ثم تأمروا عليهم ليقتلوهم، وكانت حوادث سطيف وخراطة، وقالمة، وقسنطينة، وسقط من الجزائريين ما يزيد على 45 ألف مواطن برصاص العدو. غير أن عجلة التاريخ لن تتوقف لقد كان ماي 45 تمهيدا لنوفمبر 54 كان تيار التحرر يكتسح العالم، 1949 تسجيل الثورة الصينية انتصارا ساحقا، وكان الشعب الفتنامي يخوض معركة التحرر ضد الاستعمار الفرنسي وفي تونس والمغرب الشقيقين يتحول النشاط الوطني من الحقل السياسي إلى مجال الثورة المسلحة. وبدأت تهب على المعذبين في الأرض ريح الحرية. وجاء انتصار الفيتنامي الساحق في معركة ديان بيان فو دليلا قاطعا على أن الشعب الصغيرة قادرة على قهر الاستعمار مهما بلغت قوته المادية. أما في الجزائر فقد دقت ساعة الكفاح المسلح بعد اليأس من العمل السياسي، والانتهاء من مهزلة الانتخابات هكذا أكدت الجماهير من عدم جدوى الوسائل السياسية السلمية لقد سئمت الجماهير من العمل السياسي العقيم بعدما عجزت الأحزاب السياسية على انتهاج الطريق الصحيح وعرف الحزب الوطني أزمة حادة أدت إلى انقسام طاقات صفوفه وأصبحت من الواضح أن الأرضية الصحيحة لتوحيد طاقات النضالية هي أرضية المعركة المسلحة التي ستستقطب الفئات الشعبية المخلصة فانبعثت من هذه الإرادة الشعبية النخبة الثورة للوحدة والعمل خرجت من صفوف الحزب الوطني بعد انقسامه وكونت لجنة ثورية للوحدة والعمل ثم أتت بعد ذلك كل الطاقات النضالية في جبهة واحدة هي جبهة التحرير الوطني واتجهت كل الجهود إلى هدف واحد، لقد دقت ساعة الثورة المسلحة.