من مسالك الانتفاع بالعظة ابن قيم الجوزية أولا: العمى عن عيب الواعظ من المطلوبات للانتفاع بالعظة العمى عن عيب الواعظ، فإنه إذا اشتغل به حرم الانتفاع بموعظته، لأن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعمله ولا ينتفع به، وهذا بمنزلة من يصف له الطبيب دواء لمرض به مثله، والطبيب معرض عنه غير ملتفت إليه، بل الطبيب المذكور عندهم أحسن حالا من هذا الواعظ المخالف لما يعظ به، لأنه قد يقوم دواء آخر عنده مقام هذا الدواء، وقد يرى أن به قوة على ترك التداوي، وقد يقنع بعمل الطبيعة وغير ذلك بخلاف هذا الواعظ ، فإن ما يعظ به طريق معين للنجاة لا يقوم غيرها مقامها، ولا بد منها ، ولأجل هذه النفرة قال شعيب عليه السلام لقومه وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وقال بعض السلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنهي فإذا أمرت بشيء فكن أول الفاعلين له، المؤتمرين به، وإذا نهيت عن شيء، فكن أول المنتهين عنه، وقد قيل: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم ؟ تصف الدواء لذي السقام من الضنى ومن الضنى تمسي وأنت سقيم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت ذميم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم هناك يقبل ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم فالعمى عن عيب الواعظ من شروط تمام الانتفاع بموعظته. ثانيا: تذكر الوعد والوعيد وأما تذكر الوعد والوعيد فإن ذلك يوجب خشيته والحذر منه، ولا تنفع الموعظة إلا لمن آمن به، وخافه ورجاه، قال الله تعالى إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، وقال سيذكر من يخشى، وقال إنما أنت منذر من يخشاها، وأصرح من ذلك قوله تعالى فذكر بالقرآن من يخاف وعيد، فالإيمان بالوعد والوعيد، وذكره: شرط في الانتفاع بالعظات والآيات والعبر، يستحيل حصوله بدونه. * من كتاب (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) بتصرف طفيف