من الأخطاء في رمضان .. الانقطاع عن العبادة بعد رمضان، والإغراق في المعاصي، فمن الناس مَن ينقطع عن العبادة بمجرد ظهور هلال شوال، فإلى هؤلاء نقول: إذا كان رمضان قد انقضى فإن الأعمال الصالحة لا تنقضي، فلا تكن عبداً رمضانياً وكن عبداً ربانياً كما قال الشلبي - رحمه الله - عندما سئل أيهما أفضل رجب أم شعبان؟ فقال: كن ربانياً ولا تكن شعبانياً. أه. فمَن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فعليك أن تعبد الله في رمضان وفي شوال، وفي سائر شهور العام، فإن رب رمضان هو رب شوال، وهو رب سائر شهور العام. وليعمل المؤمن بوصية الله لعيسى - عليه السلام -، حيث قال عن رب العالمين: _ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً _ [مريم: 31]. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال كما في (صحيح مسلم): (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...) الحديث. فالعمل لا ينقطع إذاً إلا بالموت، كما قال تعالى: _ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ _ [الحجر:99]. يعني: الموت o وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينقطع عن أعمال البر والخير في رمضان ولا في غيره، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضى الله عنها - أنها سئلت: (كيف كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل كان يخص شيئا من الأيام؟ فقالت: لا، كان عمله ديمة). وقالت - رضى الله عنها - أيضاً كما عند البخاري ومسلم: (ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)، ومعنى هذا أنه كان يقوم في رمضان وفي غيره. بل هناك من الناس مَن ينقطع عن العبادة بعد رمضان، ويعود على ما كان عليه من معاصي وذنوب فإلى هؤلاء أيضاً نقول: يا مَن منع نفسه في شهر رمضان عن الحرام، فليمنعها فيما بعده من الشهور والأعوام، فإن إله الشهور واحد، وهو على الزمان مطلع ومشاهد. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوَّذ من النقصان بعد الزيادة، يقول فيما رواه الخمسة: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور). ولقد حذرنا ربنا - سبحانه وتعالى - أن نكون مثل هذه المرأة التي جاء ذكرها في سورة النحل: حيث قال تعالى: _ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً _ [النحل:92]. قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: كانت امرأة خرقاء بمكة كلما غزلت شيئاً نقضته بعد إبرامه، وأفسدت ما غزلته بعد إحكام وربط. أه. وهذا حال البعض منا بعد رمضان، فبعدما صام وقام، وفعل أفعالاً جليلة عظيمة، يأتي بعدها وينقضها، وما علم هذا المسكين أن من علامة قبول العمل الصالح اتباعه بعمل صالح بعده. فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة! فيا مَن وفَّى في رمضان على أحسن حال... لا تتغير بعده في شوال، وفى سائر شهور العام. ويا من اعتقه مولاه من النار في رمضان... إياك... إياك أن تعود إليها بعد أن صرت حراً من رق الأوزار. باع قوم من السلف جاريةً لهم: فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له، ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم، فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان، لقد كنت عند قومٍ كل زمانهم رمضان، ردُّوني عليهم. ويروى أن الحسن بن صالح - رحمه الله -: وهو من الزُّهاد العُبَّاد - كانت له جارية - فاشتراها منه بعضهم، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت فنادتهم: يأهل الدار. الصلاة. الصلاة - تقصد قيام الليل - فقاموا، وقالوا: هل طلع الفجر؟ فقالت لهم: أأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح، وقالت له: لقد بعتني إلى قوم سوءٍ لا يصلون إلا المكتوبة فردني، فردَّها. فاللهم بلغنا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا فيه من عتقائك من النار. وأسأل الله تعالى أن يتولانا بعفوه، وأن يرحمنا برحمته، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يجعل مثوانا جنته، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين... آمين. عن موقع ألوكة -بتصرف-