يؤكد كتاب جديد صادر عن مؤسسة الأقصى للوقف والتراث أن بني أمية تركوا في فلسطين آثارا عمرانية ومادية قيّمة تعتبر من روائع الحضارة الإسلامية. ويقول المؤلف عبد الرزاق متاني مدير وحدة دراسة الآثار الإسلامية في مؤسسة الأقصى في مدينة أم الفحم بالداخل، إن المؤسسة الإسرائيلية ما زالت تسعى لتهويد المكان وتزوير الهوية العربية الإسلامية لفلسطين بطرق عدة منها انتهاك الآثار وإزالتها. ويشير إلى أن كتابه (من روائع حضارة بني أمية في أرض فلسطين.. دراسات أثرية) جاء ردا على محاولات طمس الآثار الإسلامية في فلسطين التي احتلت مكانة هامة في التاريخ الإسلامي. يشمل الكتاب ثلاث دراسات عن بعض الآثار الأموية في البلاد. تعالج الأولى مدينة الرملة التي بناها الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، خاصة منشآت تخزين المياه وتزويد المدينة به، ومن أبرز آثارها قناة البردة المعروفة بقناة (بنت الكافر). وتعنى الدراسة الثانية في الكتاب بصك العملة الأموية على الأرض الفلسطينية، في حين تتركز الثالثة في أكبر مسجد في البلاد أقامه الأمويون في مدينة طبريا عاصمة جند فلسطين. وتتشارك هذه الدراسات في إظهار جمال حضارة المسلمين وإبراز مكانة فلسطين في التاريخ الإسلامي، وتسليط الضوء على العبث والتزوير اللذين تتعرض لهما الآثار الإسلامية. ويدلل الكتاب على الازدهار العمراني في مدينة الرملة الفلسطينية في الفترة الأموية التي شهدت بناء مدينة عسقلان وترميم مدينة قيساريا، متوافقا بذلك مع ما رواه الإصطخري الذي زكى الرملة في كتابه (المسالك والممالك) بقوله إن فلسطين أزكى بلاد الشام، ومدينتها العظمى الرملة، وبيت المقدس يليها في الكبر). ومن أبرز المعالم العمرانية الأموية في الرملة المسجد الأبيض الذي خضع لترميمات وزيادات في الفترات الإسلامية اللاحقة، ولم يبق منه سوى أسسه ومأذنة جميلة وشاهقة. وتمتد قناة (البردة) المتصدعة على 15 كلم، وتزود المدينة بمياه الينابيع من تلة أبو شوشة، التي اكتشفت عام 1882. وهذه القناة الجوفية المبنية من الحجر ما زالت بعض مقاطعها قائمة، تصب مياهها في خزانات ضخمة أسفل المسجد الأبيض، ومنها تفرعت عدة قنوات لأنحاء المدينة ويؤكد الباحث أنها من أسرار مناعتها وصمودها. الكتاب، الذي يتمحور حول مدينة الرملة، ينبه إلى أن فلسطين احتلت مكانة خاصة عند الأمويين، الذين بنوا فيها قصورا ومساجد وخانات تعتبر من مفاخر ذلك العصر. ويتوقف الكاتب عند مدينة طبريا التي بنيت على يد الرومان وفتحها شرحبيل بن حسنة وصارت عاصمة شمال فلسطين ومركزا ثقافيا دينيا. وفي طبريا بنيت قصور أموية منها قصر (خربة المينية) و(بيت الراس)، ومن أبرز معالمها الأثرية مسجد طبريا الكبير الذي ادعى علماء آثار إسرائيليون طيلة سنوات كثيرة أنه سوق رومانية. في حين أكدت بعثة أكاديمية أميركية وإسرائيلية مشتركة في بحث واسع عام 2009 أن الموقع الذي ما زالت أسسه بارزة هو المسجد الكبير من الفترة الأموية، وذلك بعد الكشف عن محرابه وعن نقود إسلامية فيه. ويتشابه هذا المسجد مع مساجد أموية أخرى كالمسجد الأبيض في الرملة، والمسجد الأموي في دمشق. وتشير الدراسة إلى أن المسلمين في الفترة الأموية استمروا في ضرب النقود الذهبية والفضية داخل المدن الفلسطينية مثل طبريا وبيسان واللد والقدس، التي صك بها البيزنطيون عملاتهم. وشكّل نمط (الخليفة واقفا متقلدا سيفه) النمط الأكثر شيوعا في معظم العملات، وهي مستوحاة من نقش ورموز وصور الأباطرة والقياصرة على العملات الأعجمية. وتكثر في فلسطين العملات الأموية المعربة بالكامل، التي نقشت عليها عبارات مختلفة مثل (لا إله إلا الله) أو (ضرب هذا الدينار في الرملة). ويخلص الكاتب عبد الرزاق متاني المختص بدراسة الآثار الإسلامية في بحثه للتأكيد على أن هذه الآثار الفلسطينية في خطر كبير. وأوضح أن إسرائيل تحاول طمس وتدمير الطبقات الأثرية الإسلامية خلال التنقيبات الأثرية، وإبراز معالم غير إسلامية، والترويج لروايات توراتية على يد باحثين ومؤرخين وأثريين يتحركون بدوافع سياسية. وينوه إلى أن ذلك يأتي تتمة لهدم الآثار الإسلامية في مئات القرى الفلسطينية، التي احتلتها إسرائيل عام 48 ودأبت على تدميرها وبناء المستوطنات على أطلالها.