قصر، شباب وكهول، متعلمون وأميون.. لم يعد الخمر وحده ينشيهم و ينسيهم زورا متاعب الحياة وهمومها بعد أن وجدوا البديل في أقراص مهلوسة أسعارها زهيدة وكمياتها كبيرة، يوفرها صيادلة ومرضى وأطباء يقعون في فخ شباب يتمارض للحصول على وصفة، وما زاد الطين بلة تغاضي بعض الأولياء على ما يفعله أبناؤهم. وتشير آخر الإحصائيات إلى ارتفاع معدلات الجريمة خلال الأشهر الأخيرة بشكل رهيب جدا، لتقف مذهولا أمام جرائم قتل أسبابها تافهة كثيرا ما يكون ضحيتها الأصول، و الأطفال وفي أحسن الأحوال شجارات واعتداءات في سهرات ماجنة يغيب فيها العقل وتحضر المسكرات والمهلوسات لتعيش العائلات الأمرين وتتحول أفراحها إلى أقراح وأعيادها إلى مآتم، والأخطر أن الظاهرة عمت، لأنها موجودة بكل مكان وبأسعار زهيدة بعد أن طور أباطرة المخدرات حيلهم الشيطانية واكتسحوا الأحياء الشعبية بأقراص مهلوسة تتناسب ومستواهم المعيشي وتحقق لهم أرباحا طائلة تفوق أحيانا أسعار باقي أنواع المخدرات، حاولنا التعرف على أسباب انتشارها الكبير، خاصة وأن رجال الأمن بالميدان يؤكدون أن غالبية الجرائم وراءها شباب مدمنون، ما يفسر أسباب انتشار الجريمة واستفحالها بالمجتمع، المدمن يجاهر في الكثير من الأحيان بالإدمان دون الخوف من الحسيب والرقيب، ويشتري الإجرام بدراهم معدودة بعد أن يتسبب فقدان الوعي في جرائم كثيرا ما تكون «ثقيلة جدا»، لم يعد الحصول على الأقراص المهلوسة صعبا لوجود أشخاص يتاجرون بها في كل مكان وبأسعار معقولة، يكفي أن تسأل أحد التجمعات الشبانية بالأماكن المشبوهة، حيث تتعالى القهقهات والصراخ أحيانا بكلمات نابية يهتز لها عرش الرحمن، لتجد حاجتك عندهم أو يدلوك على من يزودك بها، مضيفا أن حجم العرض كبير وبدل أن تبحث أنت عن البائعين هم من يبحثون عنك ويعرضون بضاعتهم، وعلى صعيد آخر لعلّ الرأي السائد حول اكتساح ظاهرة العنف باستعمال السيوف والخناجر، تتمركز بأغلب الأحياء الشعبية الضيقة، بعدما كنّا نشاهد العديد من اللقطات المشابهة في الأفلام البوليسية الأوروبية أهمّها المافيا الإيطالية وأفلام هوليود، تتحقّق اليوم أمام مرأى أعيننا بعدما باتت الأسلحة البيضاء بحوزة شباب لا تتجاوز أعمارهم ال30 سنة ويعتقدون في ذلك أنه إجراء احتياطي لأي ظرف طارئ تحت حجة الدفاع عن نفسه في شجارات قد تتحوّل إلى معارك ما بين مجموعات من شباب الأحياء الذين حولوا العديد منها إلى معارك حقيقية من أجل تصفية حسابات أو فرض النفس بالقوة أو حتى السطو والسّرقة إلى جانب الشجارات التي تحدث بين العروش والأقارب بسبب الميراث وأشكال أخرى مثل التعرّض إلى السبّ، وتشير بعض المعطيات أنّ ظاهرة تملّك عصابة على حي من الأحياء خاصة التي تنعدم بها مراكز أمنية جعلت حياة هؤلاء السّكان جحيما حقيقيا، تقرّبت «آخر ساعة» من بعض الشباب لتقصّي رأيّهم في الموضوع فقال لنا أحد الشباب من بلدية الخروب «حدث شجار كبير وعنيف ليلة أمس الأول بحي من الأحياء وكأنّك في مسلسل وادي الذئاب استعملت فيه سكاكين وسيوف الساموراي وكذا سينيال البواخر والله وكأنّنا في حرب بأتم معنى الكلمة، سببها خلاف بسيط بين شابين ضرب أحدهما الآخر فلجأ كلّ واحد فيهما إلى زعيم عصابة حيه ليستنجد به وليأخذ بثأره، وكانت النتائج جرح العديد منهم ناهيك عن الطعنات التي أدخلت ثلاثة شبان مصلحة الإنعاش«. وعلى صعيد آخر تعمل العديد من الجمعيات وبالتنسيق مع عناصر الأمن تأسيسها على ربط جسور التواصل بين المختصين والشباب الراغب في الابتعاد عن براثن الآفات الاجتماعية خاصة السّرقة وتعاطي المخدّرات التي أصبحت تميّز يوميات الأحياء الشعبية في عاصمة الشرق الجزائري وضواحيها، كما تعمل على التوعية والتحسيس بالقضايا الاجتماعية والآفات التي بدأت تنخر المجتمع.