أضحى العنف بمختلف أشكاله أحد أبرز الظواهر التي تعيشها مختلف أحياء الجزائر، بسبب انعدام الأمن واستغلال بعض المجرمين بُعد المراكز الأمنية عنها أو انعدامها خصوصا في الأحياء الجديدة، ليطلقوا العنان لعنفهم الذي زاد عن حدّه في الفترات الأخيرة نظرا لتراكم العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، غير أنّ الكلّ يتفق على ظهور عصابات بقيادة أقوى فرد منهم لزرع الرعب في نفوس المواطنين حتى يتسنى لهم السّرقة والسّطو والحيازة على ما يرغبون فيه، رافعين شعار "القضاء على كلّ من تخوّل له نفسه في إيذاء أحد منا". ربورتاج: أسماء زبار لعلّ الرأي السائد حول اكتساح ظاهرة العنف باستعمال السيوف والخناجر، تتمركز بأغلب الأحياء الشعبية الضيقة بالمدن الكبرى للوطن، بعدما كنّا نشاهد العديد من اللقطات المشابهة في الأفلام البوليسية الأوروبية أهمّها المافيا الإيطالية وأفلام هوليود، تتحقّق اليوم أمام مرأى أعيننا بعدما باتت الأسلحة البيضاء بحوزة شباب لا تتجاوز أعمارهم ال30 سنة ويعتقدون في ذلك أنه إجراء احتياطي لأي ظرف طارئ تحت حجة الدفاع عن نفسه في شجارات قد تتحوّل إلى معارك ما بين مجموعات من شباب الأحياء الذين حولوا العديد منها إلى معارك حقيقية من أجل تصفية حسابات أو فرض النفس بالقوة أو حتى السطو والسّرقة إلى جانب الشجارات التي تحدث من بين العروش والأقارب بسبب الميراث وأشكال أخرى مثل التعرّض إلى السبّ، وتشير بعض المعطيات أنّ ظاهرة تملّك عصابة على حي من الأحياء خاصة التي تنعدم بها مراكز أمنية جعلت من حياة هؤلاء السّكان جحيما حقيقيا. أفلام "الأكشن" تتجسّد على أرض الواقع تقرّبت "الحياة العربية" من بعض الشباب لتقصّي رأيّهم في الموضوع فقال لنا أحد الشباب من بلدية بوروبة "حدث شجار كبير وعنيف ليلة أمس بحي من أحياء بوروبة وكأنّك في مسلسل وادي الذئاب استعملت فيه سكاكين وسيوف الساموراي وكذا سينيال البواخر والله وكأنّنا في حرب بأتم معنى الكلمة، سببها خلاف بسيط بين شابين ضرب أحدهما الآخر فلجأ كلّ واحد فيهما إلى زعيم عصابة حيّيه ليستنجد به وليأخذ بثأره، ولم تستطع الشرطة تهدئة الأوضاع حتى الصباح بعد أن توفي اثنين وجرح العديد منهم ناهيك عن الطعنات التي أدخلت ثلاثة شبان مصلحة الإنعاش". سألنا شابا آخر من حي الجبل، فقال "تحصل عندنا هذه الشجارات بكثرة ولأتفه الأسباب في إحدى المرّات حصل خلاف بين جارتين بسبب كيس القمامة، قالت لها لماذا وضعته أمام باب منزلي ودخلتا في شجار كلامي عنيف وسب وشتم أدّى إلى تدخل ولدا كلا الجارتين وتعاركا بالأيدي وأثناء المشاجرة هذه، جاء أخ احد المتشاجرين وطعن الآخر بسكين فلفظ على إثرها أنفاسه الأخيرة وتحوّلت القضية إلى جريمة قتل بسبب كيس قمامة". .. أحياء ارتبط اسمها بالجريمة والعنف لا تزال أحياء النخيل ولاغلاسيار ووادي اوشايح وبيلام وبومزار وديصولي بباش جراح والمقرية وأحياء بوفريزي والكاريار والأعمدة الحمراء ''ليباروروج'' ببلدية وادي قريش، من المناطق التي يتفادى الناس دخولها خصوصا بالنسبة للغريب عنها، لارتباط اسمها دائما بالجريمة و''المافيا''، فالولوج إلى هذه الأحياء يعتبر مغامرة قد تجهل عواقبها. .. مسبوقون قضائيا على رأس العصابات.. والعصبية القبلية تعود للواجهة قال المختص الاجتماعي محمد طويل في اتصال للحياة العربية، أنّ العنف في الأحياء هو نمط وشكل من أشكال العنف التي انتشرت حديثا في المجتمع الجزائري لأسباب متعددة منها جماعة الرفاق وتكوين عصابات في الأحياء حيث يكونون في معظمهم من الأفراد العنيفين والمسبوقين قضائيا، بمعنى أنّ لهم طرق ووسائل خاصة للضغط على جماعات اجتماعية من الشباب حيث يغذّونهم بأفكار العنف وبأشكاله وكذا بفكرة عصبية الحي، وكأنّ الحي قبيلة في مفهومهم أوبمعنى آخر "الحومة وأولاد الحومة"، واعتبر الأستاذ أنّ هذا الأمر خطير لأنّ هؤلاء الأفراد قد يسبّبون مشكلا كبيرا خاصة إذا تم الاعتداء على أشخاص آخرين غرباء عن الحي كالزوار أو السياح..، وهذا ما يضرّ بالجانب الاقتصادي خاصة إذا كانت المنطقة سياحية مثل باب الوادي مثلا. إضافة إلى تنامي الحقد والضغينة بين الأشخاص والعائلات والأحياء فمن مشكل بسيط وتافه تتحوّل إلى شجارات عنيفة، وتصبح حرب عصابات تخلق مشكلات كبيرة لا تحمد عقباها. حيث يستعملون فيها الأسلحة البيضاء وأسلحة أخرى محظورة وخطيرة باتت تستعمل في مثل هذه الشجارات العنيفة أوحرب العصابات. وأضاف المختص الاجتماعي أنّ هذه السلوكات أيضا متعلقة برئيس العصابة التي يفرض عليها قانون معين وشروط محددة للانخراط في هذه الجماعات الشريرة، والأشخاص الذين يندمجون في هذه العصابات هم من فئات منحرفة ومسبوقين قضائيا أو مدمني مخدرات، وهذا ما يعبر عن ظاهرة خطيرة هي "الجريمة المنظمة" في المجتمع والعنف المنظم من طرف العصابات التي تحترف الجريمة، وقال الأستاذ أيضا أنّ هذا النوع من السلوكيات الخطيرة منتشر في الأحياء البسيطة والشعبية وهناك الكثير من يعتبرها من المخالفات البسيطة إلا أنّ باطنها كبير وخطير جدّا فهو يبيّن انحراف جماعات في المجتمع التي تشكّل خطر في الاستقرار والأمن. كما أكّد المختص أنّ المشاكل التي تتحوّل إلى حرب بين الأحياء ناتجة عن تبني فكرة العصبية التي كانت قديما في عهد القبائل أين كانت قبيلة ما تشن حربا على قبيلة أخرى، فهذا ما عاد للظهور في المجتمعات المعاصرة عموما والمجتمع الجزائري خصوصا، وهي عصبية خطيرة جدّا خاصة مع استعمال الأسلحة البيضاء والمحظورة (السينيال الخاص بالبواخر)، وهذا ناتج أيضا بسبب غياب الرقابة والردع القانوني، وكذا التساهل في تطبيق العدالة لأنّ معظم أعضاء هاته العصابات هم خريجي السجون، وكذا نقص الوعي القانوني والثقافة القانونية لأنّ الفرد الجزائري لا يلجأ إلى العدالة لحل مشاكله بل يفضّل الاقتصاص بنفسه عن طريق سبل أخرى يلجأ إليها مثل عصابات الجريمة هاته، وهذا ما يعتبر تجاوزا على القانون في حدّ ذاته. وأشار الأستاذ أنّ على المجتمع والمسؤولين التحرك للحّد من هذه السلوكات الخطيرة التي تترتب عنها جرائم عديدة وذلك بتوفير مراكز ثقافية ورياضية في الأحياء، وكذا القيام بحملات تحسيسية خاصة من جانب الجمعيات لتربية أبناء الحي وغرس في أذهانهم ثقافات حضارية كحسن الجوار وتنظيم مباريات ودية ومسابقات هادفة بين الأحياء لتفادي وقوع هذه المشاكل الخطيرة. .. سوء الجوار.. الغضب والحقد من مسبّبات الظاهرة والابتعاد عن الدين زاد من خطورتها قال الإمام الشيخ أبو الحسن الجزائري أنّ هذه السلوكيات أو الظواهر التي انتشرت في مجتمعنا ووسط شبابنا سببها الابتعاد عن الدين وعلى الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى السلم والسلام بين الناس وبين أفراد المجتمع فتحية الإسلام هي السلام "السلام عليكم" معناها الأمن والطمأنينة. لكن انتشار مظاهر العنف والحقد والضغينة سببه هو تضخيم الأمور من الأبسط إلى الأعظم فالمشكل الذي يخلق هذه الشجارات العنيفة يكون تافه جدّا لكن نفوس الناس التي ابتعدت عن القيم الإسلامية وتشبعت بالحقد تجعله خطيرا وكبيرا تثار بسببه شجارات حادة بين العائلات والأحياء يستعملون فيها سكاكين وخناجر وغيرها من الأسلحة الخطيرة. كما أنّ الغضب هو المسبّب الرئيسي لهذه المشاكل فالإنسان الذي لا يتحكم في نفسه عند الغضب يقوم بسلوكات خطيرة غالبا ما يندم عليها فيما بعد يقول الله تعالى "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، لأن الإنسان القوي هو من يتحكم في نفسه وفي غضبه فلا يتصرف تصرف الطائش ليندم فيما بعد. وأشار الإمام في اتصال بالحياة العربية إلى خطورة هذه الظاهرة بين الأحياء والجيران كما أنّها راجعة إلى سوء التعامل مع الجار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". وهنا نناشد الآباء والأئمة والمدرسين وكبار الأحياء يضيف الشيخ، بالتجنّد لمكافحة هذه الظاهرة المنتشرة في الأحياء والتي تؤدي إمّا للموت قتلا أوالسجن حتما، وذلك عن طريق توعيتهم وإرشادهم إلى الطرق الصحيحة واحترام الآخرين والتمسك عند الغضب لأنّ مثل هذه الأمور تكثر في شهر رمضان المبارك، فأين هي الشريعة الإسلامية من كلّ هذا وأين هوقول الله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" فربّما لوقصدت ناس لمساعدتك في أمور الخير لرفضوا عكس لوقصدتهم في أمور العنف والشجار وغيرها من المشاكل. .. حملات تحسيسية لجمعيات بالأحياء تعمل جمعية الرائد الشبانية ومنذ تأسيسها على ربط جسور التواصل بين المختصين والشباب الراغب في الابتعاد عن براثن الآفات الاجتماعية خاصة السّرقة وتعاطي المخدّرات التي أصبحت تميّز يوميات الأحياء الشعبية في العاصمة وضواحيها، كما تعمل على التوعية والتحسيس بالقضايا الاجتماعية والآفات التي بدأت تنخر المجتمع. تسجيل أزيد من 130 ألف قضية عنف العام الماضي ونحو ألفي قضية منذ بداية 2013 أشارت دراسة حول ظاهرة العنف بولاية البليدة أعدّها ضابط في المديرية الولائية للأمن الوطني بولاية البليدة إلى أنّ هذه الظاهرة تعرف انتشارا كبيرا في الأحياء الشعبية المكتظة، كما تعدّ هذه الأخيرة الملاذ الذي يلجأ إليه المنحرفون لممارسة نشاطهم من المتاجرة بالمخدرات والأقراص المهلوسة واستهلاكها وغيرها، وتشير هذه الدراسة إلى تنامي ظاهرة العنف بمختلف أنواعه في السّنوات الأخيرة، حيث أحصت خلال السنة الماضية 130069 قضية عنف فصلت العدالة في 66341 قضية منها، أما عن الفئات العمرية المعنية بممارسة العنف فتتراوح أعمارها ما بين 18 و 35 سنة، أي بنسبة تفوق 70 بالمائة من مجموع جرائم العنف المرتكبة وحسب الدراسة نفسها فإنّ العنف الجنسي واللفظي يعدان من أكبر أنواع العنف المرتكب. كما تشير أرقام جهاز الدّرك الوطني خلال الربع الأوّل من العام الجاري، إلى تسجيل 1807 قضية ضرب وجرح عمدي تورّط فيها 2530 شخص، من بينهم 2390 ذكر و140 أنثى، أودع 2034 شخص منهم الحبس وتم الإفراج المؤقت عن 496 آخرين، وحسب ذات المصدر، فإنّ قضايا الضرب والجرح العمدي تأتي في المقدمة وتنتشر في المدن الكبرى وفي الوسط الحضري بالدرجة الأولى، باستعمال جميع الوسائل، من أدوات صناعية وخناجر وسيوف وقضبان حديدية.