عندما يتحجج المسؤولون بالإكتظاظ ليتحول المكان الذي كان من المفروض أن يكون جنة المريض إلى وكر للأوساخ و اللامبالاة تسمع فيه كل المحرمات حتى الكلام البذيء ليتحول من نغمة إلى نقمة على الأمهات اللواتي يشغلن أنفسهن لفرحة استقبال المولود الجديد لتناسي الكوارث المسجلة بقسم الولادة.قد لا يتصور البعض أن ما سنكتبه يمكن أن يحدث داخل أكثر الأقسام حساسية بالمستشفى الجامعي إبن رشد لكنه واقع وحقيقة لا مفر منها تعيشها النساء الحوامل في ظل انعدام النظافة و المراقبة فقد قررنا زيارة القسم بعد الشكاوى المتكررة للمواطنين حيث اخترنا الدخول وسط الزوار عند حدود الساعة الواحدة لتفادي الرقابة التي تلاحق الصحافيين بمجرد إظهار هويتهم عند الدخول من مركز الأمن و الأسئلة الذي لا تنتهي عن سبب زيارتنا أو دخول المستشفى و التي قد تنتهي بمنعنا من الدخول حيث سرنا وسط العائلات التي جاءت لزيارة المرضى دون أن يتفطن لنا أحد لنسير معهم نحو قسم الولادة بالطابق الأول. ازدحام منقطع النظير و الكل يبحث دون دليل بقسم الولادة. كانت الساعة تشير إلى الواحدة عندما فتح باب المستشفى حيث سرنا وسط المواطنين الوافدين على مختلف الأقسام لزيارة مرضاهم ومن خلال استماعنا لحديثهم أصبحنا على يقين بأن جهودنا لن تذهب سدي وصلنا إلى قسم الولادة و من رواق كبير توسطه مصعد وجدنا أناسا كثيرين يجتمعون أمام بوابة علقت عليها لافتة كبيرة كتب عليها "طب الرضع" من هنا قيل لنا يخرج الآباء أبناءهم حديثي الولادة حيث كان الكل في الإنتظار و قد تستمر المدة إلى ساعات حسب أحد الأولياء بسبب الإكتظاظ الذي تعرفه المصلحة مما يجعل البعض متخوفا من عدم إيجاد أبنائهم بسبب الفوضى لكن الأمر كان عاديا مقارنة بما كان في انتظارنا قبل أن نتوجه إلى بوابة علقت عليها لافتة كتب عليها "قسم الولادة" أين إكتظ جمع كبير من المواطنين حيث بقي الباب موصدا و الكل يطالب بفتحه من شدة لهفتهم لرؤية أقاربهم بالداخل كنا نعتقد أن سبب التأخر قد يكون بسبب عملية التنظيف أو جمع بقايا الأكل المتناثرة هنا و هناك وبمجرد فتح الباب بعد موعد الزيارة بحوالي عشر دقائق بدأ الكل يتوافد إلى الداخل للبحث هذا عن زوجته أو إبنته و الآخر عن إحدى قريباته و ضعت مولودها أو الإطمئنان على التي مازالت تنتظر موعد الولادة لتبدأ رحلة البحث دون أن تجد من يدلك في رواق كبير يضم أكثر من ثماني أو تسعة غرف كبيرة تضم كل غرفة أكثر من عشرة أسرة على كل سرير ترقد امرأتان ورضيعان حديثي الولادة في ظروف أقل ما يقال عنها مزرية أو كارثية. إهمال وفوضى و أوساخ ونساء يتقاسمن سريرا واحدا مع رضيعين حديثي الولادة أول ما يلفت إنتباهك بقسم الولادة الروائح التي لا تطاق التي زادت حدتها بعد اختلاطها مع رائحة الأدوية لتصنع مزيجا يصعب إستنشاقه التي تبعث من داخل الغرف التي تضم النساء اللواتي وضعت أولادهن حديثا قبل أن تتفاجأ بوضعية كارثية عندما يجمع سريرا واحدا بين سيدتين كل واحدة منهما تعاني آلاما ولا تطاق لتطلق صرخات لا تصل كما يبدو للممرضين أو المسؤولين بالمصلحة و الأكثر غرابة أن السيدتين تتقاسمان السرير مع رضيعيهما اللذين لم يفتحا عينيهما بعد ليريا حجم الكارثة التي حلت بوالدتيهما و الغريب أن كل الأسرة تتشابه ولا يخلو واحد من هذا المنظر الذي تقشعر له الأبدان فكأنك تدخل مستشفى بإحدى الدول الفقيرة خاصة إذا وجدت سيدة تنتظر بسبب انعدام مكان تنام به وهي تتلوى من شدة الألم دون أي إجراءات وقائية أو حتى أنبوب مصل ليخفف عنها آلام الولادة هذا إلى جانب الأوساخ وفضلات الأكل المتناثرة هنا وهناك دون أن يعمل أحد من عمال النظافة على جمعها حيث تترك فضلات الطعام على الأرض بما فيهاالخبز وقطع الجبن لتتناثر فوق الطاولات و الأرض مما يحول المكان إلى مزبلة عمومية خاصة مع توافد الزوار من أقارب المرضى. داخل غرفة الولادة كل شيء مباح حتى الشتم. قصص أغرب من الخيال سمعناها من المريضات اللواتي إقتربنا منهن فهذه تقول بأنها كادت أن تضع مولودتها على الأرض حيث بقيت تصرخ قبل أن تطلب منها إحداهن لا تعلم هويتها قد تكون ممرضة أو طبيبة فالكل متشابه و الكل يصرخ كما تقول أن تمسك بيدها قبل أن تقترب منها إحداهن وتحمل مولودتها لتضعها قربها فيما تبقى الأخرى تصرخ من شدة الألم حيث قاربت على الولادة لكن لا أحد تقدم منها فهذه تخبرها بأنها متعبة و الأخرى تقول لها بأنها ليست إنسان آليا و الأخرى تطلب منها التريث فيما تشتمها الأخرى بكلام بذيء وبألفاظ لا تسمعها كما تقول إلا بالشارع إلى جانب الباب الذي يبقى مفتوحا و الكل يتفرج عليهن وهن مجردات من ثيابهن تقول السيدة التي جاءت من قسنطينة مما جعلها تدخل في نقاش حاد مع إحدى العاملات التي أخبرتها بأنها ليست وحدها سيدة وبأن الأمر عادي لأنهن في مستشفى قبل أن تضطر السيدة التي انتهت للتو من وضع مولودها إلى النهوض و السير حتى قاعة الولادة فرغم أن أغلبهن لا يعرفنها إلا أنهن يضطررن إلى السير و السؤال رغم الحالة المزرية التي يعانين منها كما أنها لن نتمكن من إيجاد مكان شاغر و تضطر إلى الإنتظار حتى تأتي إحداهن و تدلها على المكان الذي ستنام فيه. الجهات المعنية ترجع السبب إلى الإكتظاظ. توجهنا إلى بعض الجهات المعنية إلا أن الإجابة كانت بأن كل ما يحدث داخل قسم الولادة بسبب العدد الكبير من النساء اللواتي يتوافدن على المصلحة يوميا من مختلف ولايات الشرق فرغم الإمكانيات المحدودة سواء المعدات أو القابلات إلا أن المستشفى ملزم بإستقبال المرضى بسبب انعدام مصلحة مماثلة على مستوى باقي المستشفيات. بوسعادة فتيحة