لم تُقدّم الجهات الرسمية في الجزائر مبرّرات قانونية وموضوعية مقنعة لإقدامها على رفض مقترح مشروع تجريم الاستعمار الذي تقدّم به عدد من نواب المجلس الشعبي الوطني خلال العهدة السابقة، ولو أن الأمر مرتبط في عمومه بالعلاقات مع فرنسا، ولكن مع ذلك فإن مكتب الغرفة السفلى للبرلمان قدّم في 2010 بعض التعديلات التي تعود »صوت الأحرار« إلى نشر تفاصيلها كاملة. بادر مكتب المجلس الشعبي الوطني في شهر مارس 2010، وهو الذي كان يترأسه حينها عبد العزيز زياري، إلى اقتراح بعض التعديلات على أصحاب مقترح قانون تجريم الاستعمار، وكان ذلك في شهر ماس 2010 مما أسفر إلى تقليص عدد المواد من 18 مادة لتصبح 13 مادة فقط، وقد ورد في المادة الأولى من المقترح المعدّل »يهدف هذا القانون إلى تجريم الاستعمار الفرنسي على كافة الأعمال الإجرامية التي قام بها في الجزائر خلال الفترة الممتدة بين 1830 إلى 1962«، كما ظهرت المادة الثانية مكمّلة لها لأنها تحمّل السلطات الفرنسية مسؤولية تلك الجرائم. ولكن البارز أن المادة 18 التي كانت ضمن المشروع الأصلي تحوّلت إلى المادة الثالثة من المشروع المعدّل من طرف مكتب المجلس الشعبي الوطني في عهدة عبد العزيز زياري، حيث جاء فيها »يعتبر اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار الفرنسي المرتكبة في الجزائر من 1830 إلى 1962 والاعتذار عنها، والتعويض عما نتج عنها، حقوقا مشروعة للشعب الجزائري غير قابلة للتنازل«، ويفهم من هذه العبارة أن قوة المقترح مستمدة من روح هذه المادة بما أن الجزائيين وفق هذه الصياغة لن يقبلوا التنازل ولا المساومة عندما يتعلق الأمر بقضايا الاعتذار والاعتراف والتعويض، في وقت كانت الصياغة الأولى ترهن العلاقات بين البلدين بتجسيد هذه المسائل الثلاثة. وصنّفت المادة التي تلتها مختلف الأعمال الإجرامية إلى »جرائم حرب، الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية باعتبارها أعمالا منافية للمبادئ الإنسانية ومخالفة للاتفاقيات الدولية والعرف الدولي«، ثمّ حدّدت المادة الخامسة كافة الحالات المتصلة بجرائم الحرب وهي »القتل العمد، التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية، تعمد إحداث معاناة شديدة.. إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها..، الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع، وأخذ رهائن«. وفصّلت المادة السادسة من المشروع ذاته في الأصناف التي تدخل ضمن »جريمة ضد الإنسانية« وهي على 15 حالة بناء على مضمون المقترح منها القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسري لهم، إلى جانب التعذيب والاغتصاب والاعتداء الجنسي أو الإكراه على البغاء أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، وكذا اضطهاد أية جماعة لأسباب سياسية أو عرقية، زيادة على جرائم الاختفاء القسري للأشخاص والفصل العنصري.. كما تضّمنت هذه المادة أيضا كافة »الأفعال اللاإنسانية« الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبّب عمدا في معاناة شديدة أو أذى خطير بالصحة أو الجسم ومنها قتل أفراد الجماعة، إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد جماعة إضافة إلى إخضاع جماعة عمدا لأحوال معيشية بقصد إهلاكها، مثلما هو الحال بالنسبة لنقل أطفال الجماعة عمدا إلى جماعة أخرى. وتعتبر المادة الثامنة في غاية الأهمية لأنها تقول »تنشأ محكمة جنائية خاصة لمحاكمة كل شخص ارتكب أو ساهم في ارتكاب أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون«، والأكثر من ذلك تابعت: »تكون قرارات المحكمة الجنائية الخاصة غير قابلة للنقض«، مثلما أوردت المادة التاسعة أن كل مرتكب للجرائم السابقة الذكر يحاكمون داخل التراب الوطني وأما المحكمة الجنائية الخاصة مهما كانت صفته أو جنسيته، على أن »تضمن الدولة الجزائرية كامل حقوق المتهمين في الدفاع أمام المحكمة الجنائية الخاصة« وفق نصّ المادة العاشرة من المشروع، كما يخوّل القانون كل الضحايا الذين حدّدت أصنافهم رفع دعوى قضائية لدى هذه المحكمة وهو ما يسري على ذوي الحقوق والمنظمات والجمعيات الجزائرية. وبعيدا عن الجدل القائم حول مصير مشروع قانون تجريم الاستعمار فإن الديباجة التي تراوحت في ست صفحات، أوضحت هي الأخرى بكثير من التفصيل الأسباب التي دفعت إلى تبني هذه المبادرة استنادا إلى شهادات تاريخية، وقد حرص أصحاب المبادرة على التفصيل في خلفيات احتلال الجزائر بتأريخ المناورات الفرنسية، ثم جاء الدور للتفصيل في الجرائم المقترفة في 132 عاما من الاحتلال التي انتهت بترك الملايين من الألغام بالحدود الشرقية والغربية.