قبل أكتوبر 1988 ، كانت البطالة، وكانت الندرة، وكانت الحقرة، وكانت قلة الموارد، وكانت حكومة فاشلة، وكان المواطنون في هلع وقلق على واقعهم، وفي خوف حتى الموت على مستقبلهم. هذه الوضعية بتفاصيلها هي التي عجلت بانتفاضة أكتوبر 1988. حاليا، ومع الدخول الإجتماعي الجديد ، يسود قلق عام من الواقع، يغذي الشعور بالخوف على المستقبل، وأحيانا لا نعرف مبرراته، غير أن المبرر الرئيسي هو غياب شبه تام للحكومة، وفشل يكاد يكون بائنا في تسيير الشأن العام. فعندما يصدر تقرير اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان، وهي لجنة تابعة مباشرة لرئيس الجمهورية، وتنشر تقريرا حول حالة حقوق الإنسان لعام 2011 يؤكد وجود " الحقرة في وسط أجهزة الأمن، ويؤكد انتشار الفساد في دواليب الدولة، ويؤكد إسناد المسؤوليات لرجال فاشلين " يعني أن هناك مبررات للخوف من خريف ساخن. وعندما تصدر الأوامر من وزارة الداخلية للقضاء على الأسواق الفوضوية ، ثم يتم التراجع عن القرار وتتم الدعوة لمعالجة الوضع بهدوء، يعني أن هناك حالة ارتباك وهناك حتى حالة خوف من الشارع. وعندما يصرح وزير التجارة أن التجارة الفوضوضة تهدد الأمن العام، يعني أن وزارته فشلت في تنظيم قطاعها، وأنها مصدر خطر على " أمن الوطن والمواطن " ، وعندما صرح قبله وزير المالية الأسبق بن اشنهو بأن " البنوك الجزائرية خطر على الأمن القومي " يعني من بين ما يعني أن تسيير أموال الجزائر معرض لكل المخاطر، وتأتي عملية " حرق " أو " احتراق " مطبعة البنك المركزي لتؤكد مقولة بن اشنهو، لأنه من المحتمل وخلال خريف 2012 أن نشهد نقصا في السيولة، ما يعزز حالة الفوضى العامة. ظاهرة الإحتجاجات وقطع الطرقات وإحراق العجلات وإغلاق المقرات الحكومية مثل الدوائر والبلديات من قبل مواطنين غاضبين على انقطاع الكهرباء، وقلة المياه، وهشاشة الطرقات، وانتشار محلات غير قانونية " للرذائل " .. يعني أن السلطات المحلية ليست في مستوى تسيير الشؤون العامة، وأن المواطنين اصبحوا ملزمين بالخروج إلى الشارع من أجل انتزاع الحقوق والمكاسب، وأن الحكومة مقصرة في واجباتها تجاه المواطنين. ظاهرة اللاأمن والإشتباكات بين المواطنين وبين الأحياء حتى في قلب العاصمة بالخناجر والسيوف وانتشار ما يعرف ب " الساموراي " دليل واضح على الحالة المزرية التي تغذي الخوف العام. سبتمبر بدأ بتخوف ملحوظ، عمال البلديات يهددون بتدشينه بالإضرابات، وعمال قطاع التربية بالتجمعات ، وحتى الأندية الرياضية تهدد بمقاطعة البطولة . حكومة عمرت طويلا، ووزراء شاخوا في المناصب، وانقضت 4 اشهر منذ الإنتخابات التشريعية لماي 2012، ولم تتشكل حكومة جديدة، بل هناك وزراء يسيرون وزارتين رغم " الشكوك " حول نجاحهم في تسيير وزارتهم الأصلية. ورغم ذلك يخرج وزير الداخلية بتصريحات تقول أن تغيير الحكومة سيكون بعد الإنتخابات المحلية لشهر نوفمبر القادم، ما غذى الشعور بأن السلطة لا تهتم اصلا بطلبات المواطنين ورغباتهم. فكان طبيعيا أن يؤكد تقرير اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان وجود شرخ بين السلطة والمواطن، تماما مثلما كان عليه الحال قبل شهر أكتوبر 1988. إنه خوف آت من الأعلى، لأنه رغم هذه الوضعية الحزينة، التي تستدعي إحداث " ثورة في الجهاز الحكومي " فإن الدولة تبدو في عطلة طويلة، وقد عوّدت الجزائريين على اتخاذ الإجراءات تحت " التهديد " فيما يعرف بسياسة " شراء السلم الإجتماعي " أو " سياسة إطفاء الحرائق " أو " سياسة تفكيك الألغام " ، مثلما حدث شهر جانفي 2010 تخوفا مما يعرف باسم " الربيع العربي ". وفي المحصلة، إذا كانت مؤسسات الدولة تحتك فعلا بالمواطنين تكون قد شعرت فعلا أن هناك حالة من الغليان العميق، حالة من التذمر، شعور بالقلق وشعور بالخوف يغذي الدخول الإجتماعي الحالي، ما يستعدي دخولا جديدا للدولة بتغيير الرجال والآليات بدءا بتغيير جذري في الحكومة والرجال التنفيذيين وقوانين التسيير، وذلك هو الأمن القادم من الأعلى، وما عداه فإنه الخوف والخطر. إن عدم الكفاءة، والشرعية المنعدمة للحكام، والشرعية الناقصة، وسياسة شراء السلم والهروب للأمام ، تم تطبيقها لسنوات خلت .. ولا أخالها ما زالت نافعة.