لم يغيّر رفع حالة الطوارئ في شيء من طريقة وسلوكات أجهزة الدولة ومؤسساتها التي استمرت في التعاطي مع مطالب واحتجاجات الجزائريين بمنطق ''الكل أمنى'' وهو الإجراء الذي زاد في تفاقم حجم الاحتقان الاجتماعي ولم يخفف أو يقضي عليه، مما يعني، حسب الحقوقيين، أنه أسلوب خاطئ لن يأت بأي نتيجة إن لم يكن سيزيد من اتساع هوة انعدام الثقة بين الجزائريين ومسؤوليهم في الدولة، وذلك بالنظر إلى أن دستور البلاد الذي أقرّ حقوقا وحريات لكنها ظلت حقوقا نظرية لا مجال لممارستها في الميدان جراء إخراج مصالح الأمن لمحاصرة أبسط تجمع قبل ولادته إلى أكبر مظاهرة يحلم بتنظيمها المواطنون. ليس من حق المواطن التظاهر أو التجمع أو الاعتصام مهما كان مبرره، وكل ما تسمح به مؤسسات الدولة، أن يكتب إليها المواطن رسالة مفتوحة بخط واضح عن مشكلته وعليه أن ينتظر... الفرج. كشفت عنها العديد من الاحتجاجات الشعبية توقيف المواطنين ''المشاغبين'' وترك المسؤولين الفاشلين إذا كانت العديد من الاحتجاجات الاجتماعية قد دفعت الدولة إلى تحقيق المطالب المرفوعة فيها من قبل المواطنين، لكن ذلك لم يتعد قط إلى مرحلة معاقبة المسؤولين المحليين والإداريين المتسببين فيها سواء نتيجة التقصير أو اللامبالاة، رغم أن الدستور في مادته 22 ينص صراحة ''يعاقب القانون على التعسف في استعمال السلطة''. لم يحدث إلا نادرا أن أوقفت السلطات العمومية واليا أو رئيس بلدية حتى لا نقول وزيرا، أدت طريقة تسييره للشؤون العامة إلى انتفاضات شعبية والى حرق مدن بمرافقها العمومية. وظلت السلطات العمومية على مدار عقود من الزمن تتعامل مع غضب الجزائريين على أن ممثل السلطة على ''صواب'' وغيره خارج القانون. حدث هذا في احتجاجات الشليات في الشلف وفي أحداث البطالين في ورفلة وفي انتفاضة الكهرباء في جيجل وفي غليان سكان ديار الشمس بالعاصمة، حيث غلبت على تصريحات مسؤولي الدولة صبغة ''اللوم'' ضد المحتجين رغم شرعية المطالب المطروحة، ولم يتم التفوّه بأي كلمة عن تقصير ملاحظ لدى المسؤولين أو المنتخبين في التكفل بانشغالات المواطنين، وكأن الجزائريين لهم ''هوس'' يجعلهم يستيقظون كل صباح وفي نيّتهم الخروج للشارع. وما يسجل أيضا أن في كل الاحتجاجات مهما كانت طبيعتها ودرجة حدتها، يتم توقيف من يسمون ب ''المشاغبين'' ويتم تدوين محاضر ضدهم لدى الشرطة، وهي طريقة لكسر الحركات المطلبية، من خلال تحميل مسؤولية الأحداث إلى طرف واحد هو الطرف المحتج في الغالب، دون أن تمتد يد العقاب لمحاسبة المسؤولين الذين كانوا وراء تحريك الشارع جراء سوء التسيير أو التعسف في استعمال السلطة. نقول هذا لأن المواطنين يضطرون لتنظيم عشرات الاحتجاجات والتجمعات حول نفس القضية وليس مرة واحدة فقط، مما يعني أن هناك حالة من التعنّت لدى المسؤولين لعدم تحقيق المطالب وغياب أي إرادة من طرفهم للاستماع إلى ما يطرح عن قطاعاتهم وليس عن لامبالاة وإنما مع ''سبق الإصرار والتعمد'' لوجود قناعة بأنه ''لن يتزعزع من منصبه'' مهما بلغ حجم الفشل لأنه ''مسنود من فوق''. هذا التجاهل لمطالب المواطنين لم يخفف من حجم الغضب، مثلما يتصور بعض المسؤولين في الدولة، بدليل أن السنوات الأخيرة سجلت أرقاما قياسية في عدد الاحتجاجات الاجتماعية التي تتضاعف من سنة لأخرى، بل أدى احتقار الحركات الاحتجاجية من قبل القنوات الرسمية للدولة إلى الزيادة في درجة عنفيتها، بحيث انتقل من الإضراب عن الطعام إلى عمليات حرق الجسم بالنار والبنزين والانتحار الجماعي والتهديد بالتفجير بقارورات الغاز وبالهجوم على المقرات الأمنية للشرطة، وهي مؤشرات تدل عن درجة احتقان يقترب من الانفجار والثورة. ولا يبدو من خلال طريقة التعاطي مع الكثير من هذه الأحداث، أن هناك وعي داخل أجهزة الدولة للخروج من معادلة الحل الأمنى في معالجة المطالب الاجتماعية إلى أسلوب محاسبة المقصرين.
المنظمات الحقوقية قالت إن السلطة تطبق سياسة ''الكل أمني'' حرية التجمع والتظاهر.. حلال في الدستور حرام في الواقع عندما أعلن اللواء عبد الغني هامل سحب الشرطة من ملاعب كرة القدم، أبدى البعض حالة من الاستغراب لمثل هذا القرار، رغم أنه صائب إلى أبعد الحدود لأن من مهام أعوان الأمن ليس معالجة '' الأمراض التي تعيشها الرياضة الجزائرية وجعلتها تجنح إلى العنف''، بل هذه المهمة تعود إلى مسؤولي الرياضة ورؤساء الفرق وجمعيات الأنصار. فلماذا يراد تكليف الشرطة مهام لا علاقة لها بمهامها الدستورية؟ حتى وإن أراد المدير العام للأمن الوطني من وراء مثل هذا القرار الحفاظ على سلامة أعوان الأمن وحماية صورة رجل الأمن التي تعرضت للتشويه إثر تحوّلهم في أعين المواطنين وكأنهم طرفا في النزاعات وأعمال العنف بين الأنصار، إلا أنه مع ذلك فتح جزء من باب النقاش حول حقيقة المهام المنوطة بأعوان الأمن مثلما أقرها الدستور، وليست تلك التي ألصقت بها ظلما خلال العشرية السوداء، حيث تحول رجال الأمن إلى لعب دور رجل المطافئ لإخماد الحركات الاجتماعية المطلبية. لقد أقر الدستور في مواده من 32 إلى 59، حريات التعبير، وإنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن، مثلما أقر بأن الحق في الإضراب معترف به. أبعد من ذلك جاء في المادة 33 أن ''الدفاع الفردي أو عن طريق الجمعية عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية مضمون''. لكن هذه الحقوق الدستورية معترف بها نظريا لكن عند ممارستها من طرف المواطنين في الواقع تصطدم دوما بإرادة أخرى لوزراء أو مسؤولين إداريين تلجأ في كل وقت إلى تسخير عناصر الأمن قصد منع إيصال الشكاوى أو للحيلولة دون كشف تقصير هؤلاء المسؤولين أو فشلهم في تسيير قطاعاتهم. صحيح أن الإضراب ليس حق مطلق بل محدد بضوابط قانونية، لكن هل يعقل أن كل التنظيمات النقابية العمالية سواء للموظفين أو الطلبة أو الأساتذة الجامعيين أو الممارسين العموميين للصحة العمومية أو عمال التربية أو حتى المواطنين في الأحياء والمدن يجهلون كلهم القانون ويجدون أنفسهم دوما في مواجهة مع الشرطة ''القوة العمومية'' التي تمنع تجمعاتهم أو اعتصاماتهم سواء أمام البرلمان أو الحكومة أو رئاسة الجمهورية بل وحتى في الساحات العمومية؟ يرى البعض أن تدخل مصالح الأمن في مثل هذه القضايا يندرج ضمن ممارسة الدولة لدورها باعتبارها حسب المادة 24 من الدستور ''مسؤولة عن أمن الأشخاص والممتلكات.. ''، لكن الحاصل بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان أن مطالبة المواطنين بحقوقهم والخروج للتعبير عن ذلك علانية في الشارع تحول في نظر المسؤولين في الدولة، على أنه تهديد لأمن الأشخاص والممتلكات ويستدعي الاستعانة بقوات مكافحة الشغب، وهو ما يعني التعامل مع المطالب الاجتماعية بسياسة ''الكل أمني'' فلماذا يحكم دوما مسبقا على ''عنف'' طرق التعبير لدى الجزائريين ويتخذ من ذلك ذريعة لاغتصاب الحقوق والحريات العامة وفي مقدمتها حق التجمع والتظاهر؟ ليس من السهل على أي تنظيم معتمد أو غيره في الجزائر اليوم أن يرفع لافتات في الطريق العام دون أن يتعرض للتوقيف، مثلما سجلت المنظمات الحقوقية الوطنية والأجنبية في تقاريرها الدورية، وهو ما يكشف عن خلل كبير في إدارة الشأن العام في الجزائر.
رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان فاروق قسنطيني ل ''الخبر'' استخدام الشرطة في قمع الاحتجاجات لا علاقة له بفلسفة المصالحة
كيف يمكن تقييم سنة من رفع حالة الطوارىء في الجزائر؟ صراحة ليس هناك كثير من التغييرات وهناك تغير شكلي، لاحظنا أن رفع حالة الطوارئ لم يغير شيئا لا في حياة المواطن ولا في الحياة السياسية، أعتقد أننا كنا بحاجة للتخلص من حالة الطوارئ التي بقيت 17 سنة، لكن السلطة بحاجة الى تغيير سلوكاتها ورفع كل الإكراهات والضغوط التي لها صلة بالحياة العامة وبالحياة السياسية والحريات المدنية. لكن قمع الاحتجاجات والاعتصامات بالقوة تؤكد استمرار منطق حالة الطوارئ ؟ بالتأكيد، لا يمكن التبجح برفع حالة الطوارئ مع استمرار منع الناس من التظاهر بطرق سلمية، كما أن استخدام الشرطة لا علاقة له بفلسفة المصالحة التي تدعيها السلطة، واعتماد المنطق الأمني في التعامل معها يخدم منطق الحوار الاجتماعي الذي تدعو اليه الحكومة، الأصل أن يكون الحوار هو القاعدة في التعاطي مع المشكلات والمطالب الاجتماعية والمهنية ويجب أن يكون الحوار مستمر ومفتوح لحل المشكلات الاجتماعية بعقلانية بدل الدفع الى الصدام بين المواطنين والشرطة، قلنا أن استخدام الشرطة لم يحل سابقا ولن يحل الآن ولا مستقبلا المشكلات. كيف تفسّر عدم محاسبة المسؤولين على أخطائهم ومحاسبة المواطنين على احتجاجاتهم؟ يجب الاعتراف بأنه ليس هناك فلسفة للمحاسبة والعقاب في الجزائر، السلطة تفتقد الى هذه الفلسفة التي تتيح للمسؤولين التهرب من مسؤولياتهم وعدم تحمل قراراتهم وسلوكاتهم التي عادة ما تكون السبب في دفع الناس الى الاحتجاج، هذه حقيقة لا يمكن أن نخفيها أو نتجنّبها، لا يجب أن نلقي كل شيء على عاتق المواطن ونحمّله تبعات احتجاجه، لأن هذا يزيد من عمق المعاناة التي يعاني منها، يجب محاسبة أي مسؤول إن كان سلوكه هو سبب الاحتجاجات، نحتاج في النهاية إلى تقييم موضوعي للموقف لإعطاء الناس حقوقها بدلا من أن نلوم المواطنين على احتجاجهم.
رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الانسان نور الدين بن يسعد ل ''الخبر'' الأجهزة الأمنية تلعب دورا ليس دورها
بعد سنة من رفع حالة الطوارئ في الجزائر ما الذي تغير برأيكم ..؟ حالة الطوارئ كإجراء دستوري وقانوني يتم تنفيذه في أي دولة لمدة معينة من أجل استرجاع النظام العام، لكنها في الجزائر دامت 17 سنة، تم خلالها تعليق كل الحريات، وعندما رفعت حالة الطوارئ في فيفري 2011، كانت فقط كإجراء استباقي قامت به السلطة لحماية نفسها من حصول زلزال في البلاد بعد احتجاجات جانفي 2011، لكن الواقع يثبت أن حالة الطوارئ رفعت شكلا فقط، لكنها واقعيا ما زالت مفروضة، هناك ضغوطات ومضايقات في مجال ممارسة الحريات والمظاهرات ما زالت ممنوعة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية مغلقة تماما. لماذا تصرّ السلطة على التعامل مع الاحتجاجات بالأسلوب الأمني؟ الإشكال الكبير أننا نعطي للأجهزة الأمنية دورا ليس دورها، في اعتقادي دور الأجهزة الأمنية حماية الحدود والأمن وليس التعاطي مع المشكلات الاجتماعية والمطالب المهنية والشعبية التي هي دور الحكومة والمؤسسات المنتخبة. المشاكل الاجتماعية لا تحل بالأسلوب الأمني ولكن تحل بالحوار واستيعاب مطالب الشعب والنقابات والسماح لها بالتعبير عن مطالبها سلميا. الواضح أن السلطة تصر على معالجة الاحتجاجات بعصا الأمن، وما زالت تتخوف من النقابات والجمعيات والمنظمات. لما تحاسب السلطة المحتجين دون أن تحاسب المسؤولين الذين يتسبب فشلهم في الاحتجاجات؟ السلطة لا تستطيع محاسبة نفسها أو مؤسساتها أو أفرادها، وهذا الطرح يعبّر عن طبيعة النظام والسلطة تحمي مؤسساتها لأن النظام غير شفاف، لا أحد يحاسب لا أمام المنتخبين ولا أمام مؤسسات الرقابة، كما أن البرلمان لا يقوم بأي دور رقابي. ورغم كثافة الاحتجاجات الأخيرة، لم يقم البرلمان بأي لجنة تحقيق أو معاينة للوضع، كما أن الأحزاب السياسية عاجزة والحياة السياسية أصبحت مجرد واجهة تنتهزها السلطة أمام الرأي العام الدولي خلال فترة الانتخابات. الجزائر: حاوره عثمان لحياني