كشف مسؤول أمريكي كبير أن كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية هيلاري كلينتون حثت الجزائر على دعم التدخل العسكري في شمال مالي، مؤكدا في هذا الشأن بأن الجزائر هي »أقوى دول الساحل« مما يجعلها حليف أساسي للقضاء على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. أوضحت مصادر أمريكية تناقلتها أمس قناة »بي بي سي«، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يعط موافقته الصريحة لتدخل عسكري إفريقي في شمال مالي وهذا بعد اللقاء الذي جمعه بكاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية هيلاري كلينتون أثناء زيارتها الأخيرة للجزائر، التقت خلالها بالمسؤولين الجزائريين، وأضافت ذات المصادر أن رئيس الجمهورية لم يعارض أيضا التدخل العسكري في مالي، وهو ما يعني بأن الجزائر لا تزال تحافظ على موقفها المتحفظ المبني على مخاوف جدية من تبعات الحملة العسكرية ضد المجموعات »الجهادية« التي تسيطر على شمال مالي منذ أفريل الماضي. وبالتوازي مع ذلك قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى، لم يكشف عن اسمه، أن كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية هيلاري كلينتون حثت الجزائر خلال زيارتها أول أمس الاثنين على دعم تدخل عسكري بقيادة افريقية في شمال مالي. وكانت كلينتون قد غادرت الاثنين الجزائر بعد محادثات وصفتها ب »المعمقة جدا« مع الرئيس بوتفليقة حول الوضع في شمال مالي على أن تتواصل المشاورات مع الشركاء المعنيين بحل هذه الأزمة. وقالت المسؤولة الأمريكية في ختام لقائها مع بوتفليقة »كانت لنا محادثات معمقة جدا حول الوضع في المنطقة وخاصة في مالي«، وأضافت قبيل مأدبة غداء أقامها رئيس الجمهورية على شرفها »اتفقنا على متابعة المحادثات على مستوى الخبراء وبمشاركة الأطراف الفاعلة في المنطقة ومنظمة الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والأمم المتحدة لمحاولة إيجاد حل لهذه المشاكل«. وصرّح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية متحدثا في الطائرة التي أقلت كلينتون إلى الجزائر فجر الاثنين، بأن »الجزائر هي اقوي دول الساحل وأصبحت بالتالي شريكا أساسيا لمعالجة مسألة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي«، من دون أن يكشف عن حدود هذه الشراكة، هل ستقتصر على دعم استخباراتي ولوجيستي أم ستتعدى ذلك إلى فتح حدودها أمام القوات التي ستدخل شمال مالي، أو تشارك بشكل مباشر عن طريق وحدات مقاتلة على الأرض أو عبر أسطولها الجوي. وكتبت مجلة »تايم« الأمريكية تقول أنه بعد سبعة أشهر من سيطرة جماعات إسلامية متشددة على شمال مالي، فإن الإستراتيجية الغربية العسكرية لإخراج المتشددين من هناك، قد تحمل عواقب حقيقية لعمليات مكافحة الإرهاب في المستقبل، ويمكن أن يكون التدخل العسكري في شمال مالي، نموذجا للصراعات في المستقبل، خصوصا في ظل عدم وجود رغبة لدى الأمريكيين والأوروبيين في خوض حرب أخرى، فالغرب بفضل هذه المرة الدعم السياسي والدبلوماسي وتجنيد الغير لخوض الحرب، وقد يشارك عبر الطيران الحربي في مجال المراقبة أو حتى ضرب أهداف محددة لمساعدة الوحدات العسكرية التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا »إيكواس« وتسهيل مهمتها في مواجهة المجموعات »الجهادية« على الأرض. ويقول فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص لمؤسسة الأبحاث الإستراتيجية في باريس: »نحن نسير إلى شكل من أشكال التدخل الذي هو أكثر نموذجية من حقبة ما بعد أفغانستان وربما شكل لم نره من قبل«، وليس كتلك التدخلات العسكرية التي وقعت في العراق وأفغانستان، والهدف من وراء هذا التدخل واضح، وهو استعادة السيطرة على شمال مالي، وهي منطقة في حجم تكساس الأمريكية، وسحق المتشددين الإسلاميين الذين سيطروا عليها منذ أفريل الماضي، باعتبار أن ذلك سيكون مقياسا واختبارا ضروريا لقدرة الغرب على مواجهة مثل هذه التحديات. ورغم أن الجزائر أعلنت صراحة تأييدها لقرار مجلس الأمن الدولي في 12 أكتوبر المنصرم والذي منح مجموعة »إيكواس« مهلة حتى نهاية نوفمبر المقبل لصياغة خطة لطرد الجماعات الإسلامية من شمال مالي، لم تخف تحفظها من التدخل العسكري في شمال مالي خوفا من التبعات التي قد تنجر عنه على أمن واستقرار كامل المنطقة، علما أن الجزائر تشترك مع مالي في حوالي 1400 كلم، وقامت مؤخرا بتعزيز رقابة هذه الحدود من خلال نشر المزيد من الوحدات العسكرية والأمنية لصد أي محاولات لاختراقها.