زيارة رئيس دولة أجنبية للجزائر أمر عادي، فما الذي جعل زيارة الرئيس الفرنسي، منذ فاليري جيسكار ديستان ومرورا بفرانسوا ميتران وسيء الذكر ساركوزي ووصولا إلى فرانسوا هولاند، حالة استثنائية، تبيّض لها الشوارع الداكنة ويستدعى لها النواب الذين يقاطعون جل جلسات البرلمان بغرفتيه بكل استخفاف، وتعد لها الحوارات والتصريحات والتعليقات الصحفية والإشاعات والأخبار المزيفة؟. وما الذي أعطى رؤساء فرنسا كل هذه القدرة على نفخ الروح في جسد الجزائر المعلولة والعليلة؟ وما قصة هذا الحب الشاذ الذي لم تعرف له المعمورة مثيلا؟ مما لا شك فيه أن فرنسا ساحرة وتسحرنا جميعا، نحب فيها الحضارة والثقافة والإبداع والحرية والأناقة، ونجل فيها الكثير من المثقفين والفنانين ورجال الفكر والسياسة والقانون، الذين ساندوا ثورتنا وفضحوا الوجه القبيح لفرنسا، مثل التعذيب والعدوان على كرامة الشعب الجزائري• كل هذا معقول ومقبول، ويجعلنا نفرق بين الدولة الفرنسية التي تحمل الكثير من المعاني السامية، وبين المسؤولين الفرنسيين الذين أساؤوا كثيرا للجزائر الدولة والشعب• يقول باسكال بونيفاس في كتابه »العالم وفق ساركوزي«Le monde selon sarkouzy »أنا لست مدافعا مطلقا ولا مشروطا عن فرنسا، أحب بلدي وأنا فخور بعدد إنجازاته، أعجب بمناظره وآثاره وتراثه الثقافي، أنتشي لانتصاراته الرياضية، أنا أعلم أن فرنسا تستطيع أن تلعب دورا إيجابيا على الساحة العالمية، لكنني أعرف أيضا بأن صفحات داكنة ترادفت مع ساعات الأمجاد، وأعلم أيضا بأنه إذا كانت فرنسا قد أنجبت الأبطال، فهي أيضا أنجبت حصتها من الأوغاد، أنا أحب بلدي ولكن جنسيتي وحدها لا تكفي لكي أكون فخورا ببلدي، لابد أن تكون نظرة الآخرين ايجابية، لأن المصالحة الوطنية لا يدافع عنها على حساب مصالح الآخرين«. هذه الفقرة تختزل صورة فرنسا كما نريدها في الجزائر، على الأقل على المستوى الشعبي، لأن للمسؤولين حسابات أخرى• لكن للأسف لم يستطع حكام فرنسا تجاوز عقدة الهزيمة تجاه الجزائر، لذا فهم يتحرشون بها ويستفزونها ويحتقرونها ويمتصون خيراتها، ولا يريدون أن يتصرفوا وفق عظمة الدولة الفرنسية، كما وصفها باسكال بونيفاس• ولكن من ناحية أخرى لماذا نريد من فرنسا أن تقدم لنا التنازلات لكي تحصل على ما تأخذه بدون تنازلات؟. المفارقة الكبيرة أن هذا المفكر الفرنسي لا يخجل من القول بأن حبه لفرنسا ليس بدون شروط، في حين نرى العديد من المسؤولين والمثقفين الجزائريين ينبطحون حتى تلامس جباههم أقدامهم أمام أي مسؤول فرنسي حتى لو كان نادلا في مقهى؟!.