فرانسوا هولاند يعيد الاشتراكيين إلى الإليزي فاز أمس فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية الفرنسية و أصبح الرئيس التاسع للجمهورية الخامسة، بعد تفوقه في الدور الثاني من الرئاسيات على الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي بنحو 52 بالمئة من أصوات الناخبين. وبهذا الفوز يعود الاشتراكيون إلى الإليزي الذي كان آخر نزلائه من الحزب هو الراحل فرانسوا ميتيران، الذي خلفه جاك شيراك قبل 17 سنة، قبل أن تؤول الرئاسة إلى ساركوزي الذي لم يعمر في منصبه، وخرج بطريقة قاسية ويعد ثاني بعد فاليري جيسكار ديستان الذي يخرج بعد عهدة اولى. اختيار الفرنسيين للمرشح الاشتراكي، كان أيضا عقابا لرئيس يوصف بالمتعجرف، ظل يؤمن بأن خطابه المتشدد تجاه المهاجرين ونزعته اليمينية المحافظة ستخدمه كما خدمه الملف الأمني في العهدة الأولى، إلا أن السحر انقلب على الساحر في نهاية المطاف، ليدفع نحو باب الخروج ويخلفه رجل بسيط ظل يقول للفرنسيين أن وجهه الظاهر هو وجهه الخفي و أنه هو هو، بسيط، مباشر وحر. واللافت أن صعود هولاند السياسي كان مفاجئا، فالرجل الذي دفع بأم أولاده لمقارعة ساركوزي في الرئاسيات الماضية، حين كان يشغل منصب السكرتير الأول للحزب، لم يكن منتظرا هذه المرة، حتى وإن كان حضر نفسه بالتخلص من الكيلوغرامات الزائدة، لأن الأمر كان يتعلق بكبير الفيلة دومينيك ستروس كان الذي كان فيلسوف الحزب ووجهه الأبرز قبل أن تنهي عاملة نظافة بفندق نيويوركي حياته السياسية في واقعة تراجيدية قيل عنها فيما قيل أنها مدبرة، وأن ساركوزي ذهب إلى الصيد باكرا وصرع الفيل قبل بداية الحملة. ويضاف إلى ذلك، ما يقال عن افتقاد هولاند للكاريزما و عدم شغله لأي منصب تنفيذي في السابق ما أعتبره خصومه نقصا في التجربة السياسية، بيد أن طفل النورماندي كان يرى قوته في بساطته، ويقول طيلة حملته الانتخابية أن فرنسا التي أتعبها ساركوزي في حاجة إلى رئيس "سوي". ولم يتردد أنصار هولاند في رفع الشعار العربي "ارحل" في وجه من كان يعتقد، كما أصدقائه العرب، انه ضروري لفرنسا وأنها لن تفلح دونه. لكن الفرنسيين حسموا في النهاية لصالح من كان يقول لهم:" أحب الناس بقدر ولع الآخرين بالمال" والإشارة إلى منافسه الذي خدم أصحاب رؤوس الأموال وحسب عليهم، ويقول لهم أنه لا يحب التشريفات والبروتوكولات والقصور ويتبنى البساطة. ويتوقع أن يفتح الرئيس هولاند صفحة جديدة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، على اعتبار أنه ناهض سياسة ساركوزي المتشددة تجاه الجاليات وتوجهه نحو التدخل في شؤون الدول على الصعيد الخارجي، فضلا عن تبني اليمين لتشريع ممجد للاستعمار أعاد العلاقات مع الجزائر إلى منطقة التوتر، وحتى وإن كان اليسار الفرنسي في تاريخه لم يعمل على تحسين العلاقات مع الجزائر ولم يتخلص من الايديولوجيا الكولونيالية، إلا أن هولاند التزم خلال الحملة الانتخابية، بالاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية، وهو ما من شأنه أن يرفع العراقيل ويزيل الألغام التي تفخخ العلاقة بين البلدين، والتي عقدها النهج الساركوزي الذي ساهم في إشعال المنطقة وظلت الجزائر تنظر إليه بعين الريبة وترى في نفسها المستهدفة الأولى بحزام النار المشتعل على حدودها. ويشكل خروج ساركوزي من الإليزي في هذا الظرف بالذات فرصة أمام انتعاش العلاقات الثنائية أو إخراجها، على الأقل، من دائرة التوتر المزمن التي ظلت تلازمها منذ وصول ساركوزي إلى الحكم بل وفي المرحلة الأخيرة من حكم شيراك الذي أعلن الصداقة على الجزائريين وحظي خلال زيارة تاريخية باستقبال شعبي كبير في شوارع الجزائر العاصمة، قبل أن ينقلب في سلوك أغضب الجزائر وأطفأ كل أمل في التقارب. سليم-ب